وقال هنا :« فَلاَ تَقْرَبُوهَا » وفي مواضع أُخر :﴿ فَلاَ تَعْتَدُوهَا ﴾ [ البقرة : ٢٢٩ ] ومثله ﴿ وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ الله ﴾ [ البقرة : ٢٢٩ ] ﴿ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ ﴾ [ النساء : ١٤ ] لأنه غلَّب هنا جهة النهي؛ إذ هو المعقَّب بقوله :﴿ تِلْكَ حُدُودُ الله ﴾ وما كان منهيّاً عن فعله، كان النهيُّ عن قُرْبِانِهِ أبلغ، وأمَّا الآياتُ الأُخَرُ، فجاء « فَلاَ تَعْتَدُوهَا » عَقِيبَ بيان أحكام ذُكِرَتْ قبلُ؛ كالطلاق، والعدَّة، والإيلاء، والحيض، والمواريث؛ فناسب أن ينهى عن التعدِّي فيها، وهو مجاوزة الحدِّ الذي حدَّه الله تعالى فيها.
قال السُّدِّيُّ : المراد بحدود الله شروط الله وقال شَهْرُ بن حَوْشَبٍ : فرائضُ الله.
قوله :﴿ كذلك يُبَيِّنُ الله ﴾ الكاف في محلِّ نصبٍ : إمَّا نعتاً لمصدرٍ محذوفٍ : أي : بياناً مثل هذا البيان.
فإنَّه لما بيَّن أحكام الصَّوم على الاستقصاء في هذه الآية بالألفاظ القليلة بياناً شافياً وافياً - قال بعده :﴿ كذلك يُبَيِّنُ الله آيَاتِهِ لِلنَّاسِ ﴾ أي مثل هذا البيان الوافي الواضح.
أو حالاً من المصدر المحذوف؛ كما هو مذهب سيبويه.
قال أبو مُسْلِم : أراد بالآيات الفرائض الَّتي بيَّنها؛ كما قال سبحانه ﴿ سُورَةٌ أَنزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا وَأَنزَلْنَا فِيهَآ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ ﴾ [ النور : ١ ] ثم فسَّر الآيات بقوله :﴿ الزانية والزاني ﴾ [ النور : ٢ ] إلى سائر ما بيَّنه من أحكام الزِّنا، فكأنه تعالى قال : كذلك يبيِّن اللَّهُ آياتِهِ للنَّاس ما شَرَعَه لَهُمْح ليتَّقُوه، فَيَنْجُوا مِنْ عَذَاب الله.