سبب نزول هذه الآية أن اليهود قالوا لحذيفة بن اليمان، وعمار بن ياسر بعد وقعة « أحد » ألم تروا ما أصابكم، ولو كنتم على الحق ما هزمتم، فارجعوا إلى ديننا، فهو خير لكم وأفضل، ونحن أهدى منكم سبيلاً.
فقال عمار : كيف نقض العهد فيكم؟ قالوا : شديد، قال : فإني قد عاهدت أني لا أكفر بمحمد ﷺ وشرف وكرم وبجل وعظم ما عشت.
فقالت اليهود : أما هذا فقد صبأ، وقال حذيفة : وأما أنا فقد رضيت بالله ربّاً، وبالإسلام ديناً، وبالقرآن إماماً، وبالكعبة قِبْلَةً، وبالمؤمنين إخواناً، ثم أتيا رسول الله ﷺ وأخبراه فقال : أصبتما خيراً وأفلحتما فنزلت هذه الآية.
قوله تعالى :﴿ لَوْ يَردُّنَكُمٍ ﴾ الكلام في « لو » كالكلام فيها عند قوله :﴿ يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ ﴾ [ البقرة : ٩٦ ]، فمن جعلها مصدرية هناك جعلها كذلك هنا، وقال : هي مفعول « يود » أي : ودّ كثير ردَّكم.
ومن أبي جعل جوابها محذوفاً تقديره : لو يردونكم كفاراً لسُرُّوا أو فرحوا بذلك.
وقال بعضهمك تقديره : لو يردونكم كفاراً لودّوا ذلك، ف « وَدَّ » دَالَّى على الجواب، وليست بجواب؛ لأن « لو » لا يتقدمها جوابها كالشرط.
وهذا التقدير الذي قدره هذا القائل فاسد، وذلك أن « لو » حرف لما كان سيقع لوقوع غيره، فيلزم من تقديره ذلك أن وَدَادتهم ذلك لم تقع؛ لأن الموجب لظفاً منفي معنى، والغرض من وَدَادَتهم ذلك واقعة باتفاق، فتقدير لسروا ونحوه هو الصحيح.
و « يرد » هنا فيه قولان.
أحدهما وهو الواضح أنها المتعدّية لمفعولين بمعنى « صَيَّر »، فضمير المخاطبين مفعولً أول، و « كفاراً » مفعول ثان؛ ومن مجيء « رَدَّ » بمعنى « صَيَّر » قوله :[ الوافر ]
٧٣٣ رَمَى الْحَدَثانُ نِسْوَةَ آلِ حَرْبٍ | بِمِقْدَارٍ سَمَدْنَ لَهُ سُمُودَا |
فَرَدَّ شُعُورَهُنَّ السُّودَ بِيضاً | وَرَدَّ وُجُوهَهُنَّ البِيضَ سُودَا |
و « مِنْ بَعد » متعلق ب « يردُّونكم » و « من » لابتداء الغاية.
قوله تعالى :« حسداً » نصب على المفعول له، وفيه الشروط المجوّزة لنصبه، والعامل فيه « ود » أي : الحامل على ودادتهم رَدُّكم كُفََاراً حَسَدُهُم لكم.
وجوزوا فيه وجهين آخرين :
أحدهما : أنه مصدر في موضع الحال، وإنما لم يجمع لكوه مصدراً، أي : حاسدين، وهذا ضعيف، لأن مجيء المصدر حالاً لا يطّرد.
الثاني : أنه منصوب على المصدرية بفعل من لفظه أي يحسدونكم حسداً [ والأول أظهر الثلاثة ].
قوله تعالى :﴿ مِنْ عِنَدِ أَنْفُسِهِمْ ﴾ في هذا الجار ثلاثة أوجه :
أحدها : أنه متعلّق ب « ود » أي : ودوا ذلك من قبل شهواتهم لا من قبل التدين [ والميل مع الحق؛ لأنهم ودّوا ذلك من بعد ما تبيّن لهم أنكم على الحق ] و « من » لابتداء الغاية.