٩٦٥ - وَإِذَا نَظَرْتَ إلى أَسِرَّةِ وَجْهِهِ بَرَقَتْ كَبَرْقِ العَارِضِ المُتَهَلِّلِ
وقد تقدم أنَّ الإهْلاَلَ : الصُّرَاخُ عند قوله ﴿ وَمَآ أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ الله ﴾ [ البقرة : ١٧٢ ]. « وفِعَالٌ » المضعَّف يطَّرد في تكسيره « أَفْعِلَة » كأَهِلَّةٍ، وشذَّ فيه فِعَلٌّ؛ كقوله : عِنَنٌ، وحِجَجٌ، في عِنَان، وحِجَاج.
وقدَّر بعضهم مضافاً قبل « الأَهِلَّة » أي : عن حكم اختلاف الأهلَّة، لأنَّ السؤال عن ذاتها غير مفيدٍ؛ ولذلك أُجيبوا بقوله :﴿ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ والحج ﴾ وقيلك إنهم لمَّا سألُوا عن شيء قليل الجدوى، أُجيبوا بما فيه فائدةٌ، وعدل عن سؤالهم، إذ لا فائدة فيه، وعلى هذا، فلا يحتاج إلى تقدير مضافٍ.
و « لِلنَّاسِ » متعلِّقٌ بمحذوف؛ لأنه صفةٌ ل « مَوَاقِيتُ » أي : مواقيتُ كائنةٌ للنَّاسِ. ولا يجوزُ تعلُّقُه بنَفْس المواقيتِ؛ لما فيها من معنى النقل؛ إذ لا معنى لذلك. والمَوَاقِيتُ : جمع ميقَاتٍ؛ رَجَعَتِ الواوُ إلى أصلها؛ إذ الأصل : موقاتٌ من الوَقْتِ، وإنَّما قلبت ياءً؛ لكسر ما قبلها، فلمَّا زال موجبه في الجمع، رُدَّت واواً، ولا ينصرف؛ لأنه بزنة منتهى الجموع.
فإن قيل : لم صرفت قوارير؟ قيل لأنَّها فاصلةٌ وقعت في رأس الآية الكريمة فنوِّن، ليجري على طريقة الآيات كام تنوَّن القوافي في مثل قوله :[ الوافر ]
٩٦٦ - أَقِلِّي اللَّوْمَ، عَاذِلَ، والعتَابَنْ ............................
و « المِيقَات » : منتهى الوقت؛ قال تبارك وتعالى :﴿ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ ﴾ [ الأعراف : ١٤٢ ] والهلال : ميقات الشَّهر؛ أي : منتهاه، ومواضع الإحرام : مواقيت الحجِّ؛ لأنَّها مواضع ينتهى إليها، وقيل : الميقات : الوقت؛ كالميعاد بمعنى الوعد.

فصل في تخصيص المواقيت بالهلال دون الشمس


فإن قيل : لم خصَّ المواقيت بالأهلَّة وأشهرها دون الشمس وأشهرها؟
فالجواب : أنَّ الأهلَّة وأشهرها، إنَّما جعلت مواقيت للنَّاس، دون الشمس وأشهرها؛ لأنَّ الأشهر الهلاليَّة يعرفها كُلُّ أحدٍ من الخاصِّ والعامِّ برؤية الهلال ومحاقه؛ ولذلك عُلِّقت الأحكام الشَّرعيَّة بالشُّهور العربيَّة، كصوم رمضان، وأشهر الحجِّ، وهي شوَّال، وذُو القعدة وذو الحجَّة. والأشهر المنذورة، والكفَّارات، وحول الزَّكاة وأشهر الإجارات والمداينات والسل، وأشهر الإيلاء، وأشهر العدد، ومدَّة الرَّضاع وما تتحمَّله العاقلة في ثلاث سنين، وغير ذلك؛ بخلاف الشَّمس، وأشهرها؛ فإن الشَّمس لا يتغيَّر شكلها بزيادةٍٍ، ولا نقصٍ، ولا يعرف أوَّله وآخره، ولا تختلِفُ رؤيتها، وكذلك أشهرها لا يعرف أوَّلها وآخرها، إلاَّ الخواصُّ من الحُسَّاب، وليس لها مواقيت غير الفصول الأربعة؛ وهي الصَّيف، والشِّتاء، والرَّبيع، والخريف؛ ولذلك لا يتعلَّق به حكم شرعيٌّ؛ فلذلك جعلت الأهلَّة وأشهرها مواقيت للنَّاس، دون الشَّمس.

فصل


اعلم أنَّ الله سبحانه ذكر وجه الحكمة في خلق الأهلَّة؛ فقال تعالى :﴿ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ والحج ﴾ وذكر هذا المعنى في آية أخرى، وهي قوله تعالى :﴿ وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُواْ عَدَدَ السنين والحساب ﴾ [ يونس : ٥ ] واعلم أنَّ تقدير الزمان بالشُّهور فيه منافع دينيةٌ، ودنيويةٌ.


الصفحة التالية
Icon