فالدينية : كالصَّوم، والحَجِّ، وعدَّة المتوفَّى عنها زوجها، والنذور المتعلِّقة بالأوقات، وقضاء الصَّوم في أيامٍ لا تُعْلَمُ إلاَّ بالأهلَّة.
والدنيويَّة : كالمداينات، والإجارات، والمواعيد، ولمدَّة الحمل والرَّضاع.
قوله :« والحَجِّ » عطفٌ على « النَّاس » قوالوا : تقديره : ومواقيتُ الحَجِّ، فحذف الثاني؛ اكتفاءً بالأوَّل.
وقيل : فيه إضمارٌ، تقديره : وللحَجَّ كقوله ﴿ وَإِنْ أَرَدتُّمْ أَن تسترضعوا أَوْلاَدَكُمْ ﴾ [ البقرة : ٢٣٣ ] أي : لأولادكم.
ولمَّا كان الحجُّ من أعظم ما تُطْلَبُ مواقيته وأشهره بالأهلَّة، أُفْرِدَ بالذِّكْرِ.
قال تعالى :﴿ الحج أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ ﴾ [ البقرة : ١٩٧ ].
فإن قيل : الصَّوم أيضاً يطلب هلاله؛ قال عليه الصَّلاة والسَّلام - :« صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ، وأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ »
قلنا : نعم، ولكنَّ الصوم قد يسقط فعله عن الحائض، والنُّفَسَاء، والمُسَافر، ويوقعون قضاءه في غيره من الأشهر؛ بخلاف الحجِّح فإنَّه إذا لم يصحَّ فعله في وقته، لا يقضى في غيره من الأشهر.
واحتجَّ مالك - رحمه الله تعالى - وأبو حنيفة بهذا الآية على أنَّ الإحرام بالحجِّ في غير أشهر يصحُّ، فإن الله تعالى جعل الأهلَّة كلها ظرفاً لذلك.
قال القَفَّال : إفراد الحجِّ بالذِّكر إنَّما كان لبيان أن الحجَّ مقصورٌ على الأشهر التي عيَّنها الله تعالى لفرضه؛ وأنه لا يجوز نقل الحجِّ من تلك الأشهر إلى شهر آخر؛ كما كانت العربُ تفعلُ ذلك في النسيء؛ فأفرد بالذِّكر، وكأنه تخصيص بعد تعميم؛ إذ قوله تعالى : مَوَاقِيتُ لِلنَّاس « ليس المعنى لذوات الناس، بل لا بُدَّ من مضافٍ، أي : مواقيتُ لمقاصد النَّاس المحتاج فيها للتأقيت، ففي الحقيقة ليس معطوفاً على الناس، بل على المضاف المحذوف الذي ناب » النَّاسِ « منابه في الإعراب.
وقرأ الجمهور »
الحَج « بالفتح في جميع القرآن الكريم إلا حمزة والكسائيَّ وحفصاً عن عاصم، فقرءوا ﴿ حِجُّ البيت ﴾ [ آل عمران : ٩٧ ] بالكسر، وقرأ الحسن، وابن أبي إسحاق بالكسر في جميع القرآن، وهل هما بمعنىً واحدٍ، أو مختلفان؟ قال سيبويه :» هما مَصْدَرَانِ « ؛ فالمفتوح كالرَّدِّ والشَّدِّ، والمكسورُ كالذِّكر، وقيل : بالفتح : مصدرٌ، وبالكسر : اسمٌ.

فصل في الرد على أهل الظَّاهر


قال القرطبيُّ : هذه الآية الكريمة تَرُدُّ على أهل الظَّاهر، ومن وافقهم في أنَّ المساقاة تجوز إلى الأجل المجهول سنين غيرِ معلومة؛ واحتجُّوا بأنَّ رسول الله ﷺ وشرَّف، وكرَّم، ومجَّد، وبجَّل، وعظَّم، عَامَلَ أَهْلُ خَيْبَرَ عَلَى شَطْرِ الزَّرْعِ والنَّخْل بما بَدَا لرسُول الله - ﷺ، وشرَّف، وكَرَّم، ومجَّد، وبَجَّل، وعَظَّم - من غير توقيت، وقال : وهذا لا دليل فيه؛ لأنَّه - عليه الصَّلاة والسَّلام - قال لليهود :»
أُقِرُّكُمْ مَا أَقَرَّكُمُ اللَّهُ «
وهذا يدلُّ على أنَّ ذلك مخصوصٌ به، وأنَّه كان في ذلك ينتظر القضاء من رِّبه، وليس كذلك غيره.
قوله :﴿ وَلَيْسَ البر بِأَن تَأْتُواْ ﴾ كقوله :﴿ لَّيْسَ البر أَن تُوَلُّواْ ﴾ [ البقرة : ١٧٧ ] وقد تقدم؛ إلا أنه لم يختلف هنا في رفع »
البِ { ِّ « ؛ لأنَّ زيادة الباء في الثاني عيَّنت كونه خبراً، وقد تقدَّم لان أنَّها قد تزاد في الاسم.


الصفحة التالية
Icon