قوله تعالى :﴿ فَإِنِ انتهوا فَإِنَّ الله غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴾ أي : لهم. ومتعلق الانتهاء محذوفٌ أي : عن القتال، و « انْتَهَى » « افْتَعَلَ » من النَّهي، وأصلُ « انْتَهَوا » « انْتَهَيُوا » فاسْتُثْقَلَت الضَّمةُ على الياء؛ فحُذِفَتْ فالتقى ساكنان؛ فَحُذِفت الياءُ؛ لالتقاء الساكنين، أو تقول : تَحَرَّكَتِ الياء، وانفتحَ ما قبلها؛ فَقُلِبَتْ ألفاً؛ فالتقى ساكنان؛ فَحُذِفَتِ الألفُ، وبقِيت الفتحة تَدُلُّ عليها.
فصل في اختلافهم في متعلِّق الانتهاء
هذا البيانُ لبقاء هذا الشَّرط في قتالهم قال ابن عبَّاس - رضي الله عنهما - فإن انتهوا عن القتال؛ لأنَّ المقصُود من الإذان في القتال منعُ الكُفّار عن المُقاتلة.
وقال الحسنُ : فإن انتهوا عن الشِّرك؛ لأنَّ الكَافِرَ لا يَنَالُ المغفرة والرِّحمة بترك القتال، بل بترك الكُفرِ.
فصل في دلالة الآية على قبول التَّوبة من كلِّ ذنب
دلَّت الآية على أنَّ التوبة مِنْ كُلِّ ذنبٍ مقبولةٌ ومَنْ قال : إنَّ التوبة عن قتل العَمْد غيرُ مقبولةٍ، فقد أخطأ؛ لأنَّ الشرك أشدُّ من القتل، فإذا قَبِلَ الله تبوة الكافِرِ، فقبُولُ توبة القاتل أولى، وأيضاً فقد يكُونُ الكافِرُ قاتلاً، فقد انضمَّ إلى كُفره قَتْلُ العَمْد والآيَةُ دلَّت على قبُول توبة كلِّ كافِرِ، فدلَّ على أنَّ توبتَهُ، إذا كان قاتِلاً مقبولةٌ؛ قال تعالى :﴿ قُل لِلَّذِينَ كفروا إِن يَنتَهُواْ يُغَفَرْ لَهُمْ مَّا قَدْ سَلَفَ ﴾ [ الأنفال : ٣٨ ].
قوله تعالى :﴿ وَقَاتِلُوهُمْ حتى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ ﴾ يجوزُ في « حَتَّى » أن تكونَ بمعنى « كَيْ » وهو الظاهرُ، وأن تكونَ بمعنى « إِلَى » و « أَنْ » مضمرةٌ بعدَها في الحالين، و « تَكُونَ » هنا تامةٌ، و « فِتْنَةٌ » فاعلٌ بها، وأمَّا ﴿ وَيَكُونَ الدين للَّهِ ﴾ فيجوزُ أن تكون تامَّةً أيضاً، وهو الظاهرُ، ويتعلَّقُ « اللَّهِ » بها، وأن تكونَ ناقصةً و « لِلَّهِ » الخبَر؛ فيتعلَّق بمحذوف أي : كائناً لله تعالى
فصل في المراد بالفتنة
قيل : المراد بالتفنة الشِّرك والكُفر؛ قالوا : كانت فتنتهُم أنَّهُم كانوا يُرهِبُون أصحاب النبيِّ - ﷺ وشَرَّف، وكَرَّم، ومَجَّد، وبَجَّل، وعَظَّم - بمكة، حتى ذهبوا إلى الحبشة، ثم واظبوا على ذلك الإيذاء؛ حتى ذهبوا إلى المدينة، وكان غرضَهُمُ من إثارة تلك الفتنة أن يتركوا دينهُم، ويرجِعُوا كُفَّاراً، فإنزل الله - تبارك وتعالى - هذه الآية، والمعنى :
قاتِلُوهُم حتَّى تَظهروا عليهم؛ فلا يفتِنُوكُم عن دِينِكُمْ، ولا تَقَعوا في الشِّركَ ﴿ وَيَكُونَ الدين للَّهِ ﴾ أي : الطَّاعة، والعبادةُ للَّه وحده؛ لا يُعبدُ شيءٌ دونه ونظيره قوله تعالى :