٩٧٨ -................. | سُودُ المَحَجِرِ لا يَقْرأْنَ بالسُّوَرِ |
الثالث : أن يُضمَّن « أَلْقَى » معنى ما يتعدَّى بالباء؛ فيُعدَّى تعديته، فيكون المفعولُ به في الحقيقة هو المجرور بالباء، تقديره : ولا تُفْضُوا بأيديكُم إلى التَّهْلُكة؛ كقولك : أَفْضَيْتُ بِجَنْبِي إلى الأرض، أي : طرحتُهُ على الأرض، ويكونُ قد عَبَّرَ بالأيدي عن الأنفس كقوله :﴿ بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ ﴾ [ الحج : ١٠ ] ﴿ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ ﴾ [ الشورى : ٣٠ ] لأنَّ بها البَطشَ والحركة، وظاهرُ كلام أبي البقاء فيما حكاهُ عن المُبرِّد : أن « ألْقَى » يتعدَّى بالباء أصلاً ك « مَرَرْتُ بزيدٍ »، والأولى حملُهُ على ما ذكرناه.
والهمزة في « أَلْقَى » لِلْجعل على صفةٍ، نحو : أطْرَدْتُهُ، أي : جعلتُهُ طريداً، الهمزة فيه : ليست للتعدية؛ لأنَّ الفعل متعدٍّ قبلها، فمعنى « ألقَيْتُ الشيْءَ » : جَعَلْتُه لُقى، فهو « فُعَلٌ » بمعنى « مَفْعُول » ؛ كما أن الطريد « فَعِيلٌ » بمعنى « مَفْعُول » ؛ كأنه قيل : لا تَجْعَلُوا أنفسَكُم لُقى إلى التَّهْلُكَة. والتَّهْلُكَةُ : مصدرٌ بمعنى « الهلاكِ، يُقَالُ : هَلَكَ يَهْلِكُ هُلْكاً، وهَلاكاً، وهَلْكَاءَ، على وزن فعلاء، ومَهْلِكاً ومَهْلُكَةً، مثلَّث العين، وتَهْلُكَةً، وقال الزمخشري :» ويجوزُ أن يقال : أصلُها التَّهْلِكَةُ؛ بكسر اللام، كالتَّجْرِبة؛ على أنه مصدرٌ من هلَّك - يعني بتشديد اللامِ - فَأُبْدلتِ الكسرةُ ضَمَّةً؛ كالجِوار والجُوار «، وردَّ أبو حيَّان بأنَّ فيه حَمْلاً على شاذٍّ ودَعوى إبدال، لا دليلَ عليها؛ وذلك أنه انه جعلَهُ تَفعلةً بالكسر، مصدرَ » فَعَّلَ « بالتشديد، ومصدرُه، إذا كان صحيحاً غيرَ مهموزٍ على » تَفْعِيل « و » تَفْعِلَةٌ « فيه شاذٌّ، وأمَّا تنظيره له بالجِوَار والجُوَار، فليس بشيء، لأنَّ الضمَّ فيه شاذٌّ، فالأولى أنْ يُقال : إنَّ الضَّمَّ أصلٌ غيرُ مبدلٍ من كسرٍ، وقد حكى سيبويه ممَّا جاء من المصادر على ذلك التَّضُرَّة والتَّسُرَّة.
قال ابن عطيَّة :» وقرأ الخليلُ التَّهْلِكَةَ، بكسر اللام، وهي تَفْعِلَةٌ، من هَلَّكَ بتشديد اللام « وهذا يُقَوِّي قول الزمشخري.
وزعم ثعلبٌ والجارزنجي أنَّ » تَهْلُكَةً « لا نظير لها، وليس كثيراً من تكلُّفات هؤلاء النُّحاة في أمثال هذه المواضع، وذلك أنَّهُم وجدوا نَقلاً عن أعرابيٍّ مجهولٍ يكونُ حجتَّهُم فيه، ففرحثوا به، واتّخَذُوه حجَّةً قويَّةً، ودليلاً قاطِعاً، وقالُوا : قد نُقِلَ هذا عن العرب؛ فكيف، وقد وَرَدَ هذا في كَلاَمِ الله تعالى المشهُور له مِنْ كُلِّ واحدٍ من المُوافِق والمُخَالف بالفصاحة، وأعجز البُلَغَاء والفُصَحاء، وتحدَّاهم » بِأَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِهِ « و » بِعَشْرِ سُوَرٍ « و » بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ « [ فقال تعالى :﴿ قُل لَّئِنِ اجتمعت الإنس والجن على أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هذا القرآن لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً ﴾