« قُولِي : محلِّي حَيْث حَبَسْتَنِي »
فصل
اختلَفُوا في العُمْرة، فأكثر الفُقَهاءِ قالوا : حُكْمُهَا في الإحْصار كَحُكُم الحَجِّ، وعن ابن سيرين أَنَّهُ لا إحصار فيها؛ لأَنَّهَا غير مؤقّتة، ويرده قوله تعالى :﴿ فإِنْ أُحْصِرْتُمْ ﴾ عَقِيبَ ذكر الحَجِّ والعُمْرَةِ، فيكونُ عَائِداً إليهما.
فصل
إذا أراد المحصر التحلّل وذبح، وجب أن يَنْوِيَ التَّحلل عند الذَّبْحِ، ولا يَتَحَلَّل أَلْبَتَّةَ قبل الذَّبْحِ.
قوله :﴿ وَلاَ تَحْلِقُواْ رُؤُوسَكُمْ حتى يَبْلُغَ الهدي مَحِلَّهُ ﴾ في الآية حَذْفٌ؛ لأنَّ الرَّجُلَ لا يَتَحَلَّلُ ببلوغ الهَدْي مَحِلَّه، حتى يَنْحَر؛ فتقدير الآية الكريمة : حتَّى يَبْلُغَ الهَدْي مَحِلَّه، فينحر فإذا نَحَرض فاحلقوا و « مَحِلَّه » يجوز أَنْ يكونَ ظرفَ مَكَانٍ، أو زمانٍ، ولم يُقْرأ إلاَّ بِكَسر الحاءِ فيما علمنا إلاَّ أّنَّهُ يَجُوزُ لغةً فتحُ حائِه، إذا كانَ مكاناً. وفَرَّق الكسائيّ بينهما، فقال :« المَكْسُورُ هو الإحْلاَلُ من الإحْرَامِ، والمفتوحُ هو مَكَانُ الحُلُولِ من الإِحصار ».
فصل
قال أبو حنيفة : لا يَجُوزُ إِراقَهُ دم الإحصار إلاَّ في الحرم وقال أحمدُ والشَّافعيُّ - رحمهما اللَّهُ - حيث حبس والخلافُ مبنيٌّ على البَحْثِ في المَحَلِّ؛ فقال أبو حنيفة : هو اسمٌ للمكان. وقال غيره : هو اسمٌ للزَّمانِ الذي حصل فيه الحل. وحجّتهم وجوه.
منها : أنَّه - عليه السَّلامُ - أحصر بالحُديبيةِ ونحر فيها، وليست من الحَرَمِ.
قال أصحابُ أبى حنيفة : إِنَّما أحصر فى طرف الحثدَيبية، الّذى أسفل مَكَّةَ، وهو من الحَرَمِ.
قال الوَاقِدِيُّ : الحديبيةُ على طرف مكَّةَ على تِسْعَةِ أَمْيِالِ من مكَّةَ.
قال القَفَّال - رحمه الله - : الدَّليل على [ أنَّ نحر ذلك الهدي ما وقع فى الحرم قوله تعالى :﴿ هُمُ الذين كَفَرُواْ وَصَدُّوكُمْ عَنِ المسجد الحرام والهدي مَعْكُوفاً أَن يَبْلُغَ مَحِلَّهُ ﴾ [ الفتح : ٢٥ ].
ومنها : أَّنَّ المحصَر سواء كان فى المحلّ، أو الحرم، فهو مأمورٌ بنحر الهدي بقوله :﴿ فَمَا استيسر مِنَ الهدي ﴾، فأوجب على المُحْصَرِ، سواء كان فى الحلّ أو الحرمِ، وإذا ثَبَتَ ذلك؛ وَجَبَ أن يجوز له الذَّبحُ، حيث كَانَ قادراً على إراقة الدَّمِ.
ومنها : أنَّه تعالى إنَّما مكن المحصر من التَّحلل بالذَّبح؛ ليتمكن من تخليص نفسه فى الحال عند خَوْفِ العدوِّ، فلم يَجُزِ النَّحْرُ إلاَّ فى الحرم وَمَا لم يحصلُ النَّحر لا يحصل له التَّحلل فى الحالِ، وذلك يُنَاقِضُ المَقْصُودَ من مشروعيّة هذا الحكم؛ لأن الموصل، للنَّحر إلى الحرم، إن كان هو فالْخَوْفُ، باقٍ، وكيفَ يؤمر بهذا الفعل مع قيام الخَوْفِ، وإن كَانَ غيره، فقد لا يَجِدُ ذلك الغَيْرَ، فماذا يفعل؟ حجَّةُ أبى حنيفة وجوه :
الأَوَّل : أَنَّ المحِلَّ - بكسر الحاء - عبارة عن المكان كالمسجدِ والمَجْلِس، فقوله ﴿ حتى يَبْلُغَ الهدي مَحِلَّهُ ﴾ يَدُلُّ على أَنَّهُ غير بالغٍ فى الحَالِ إلى مكان الحِلِّ، وهو عندكم بَالِغٌ مَحَلَّهُ فى الحال.