فصل
فَأَمّا من حق رأسه عامِداً من غير عُذْرٍ، فقال أبو حنيفة والشَّافعيُّ يجب عليه الدَّمُ.
وقال مالكٌ : حكمه حكم من فعل ذلك بعذر؛ لأَنَّ وجوبه على المَعْذُور تنبيه على وجوبه على غير المَعْذُورِ.
وقال ابنُ الخطيب : هذا ضَعيفٌ؛ لأَنَّ قوله :« فَمَنْ كَانَ منْكُمْ مَريضاً أَوْ بِهِ أَذَى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيامٍ » يدل على اشْتِراط هذا الحُكْم بهذه الأَعذارِ، والمَشْرُوط بالشيء عدم عند عدم الشَّرْط.
قوله :« » الفاءُ عَاطفةٌ على ما تَقَدَّم، و « إِذَا » مَنْصُوبَةٌ بالاستقرار المحذوفِ؛ لأنَّ التَّقْدِير : فعليه ما اسْتَيْسَرَ، أي : فاستقرَّ عليه ما اسْتَيْسَرَ «.
وقوله :» فَمَنْ تَمَتَّعَ « الفاءُ جوابُ الشَّرْطِ بإذا، والفَاءُ فى قوله :﴿ فَمَا استيسر ﴾ جوابُ الشَّرط والثاني. ولا نَعْلَمُ خلافاً أَنَّهُ يَقَعُ الشَّرْطكُ وجوابُهُ جواباً لشرطٍ آخرَ مع الفاءِ. وقد تَقَدَّم الكَلاَمُ على ﴿ فَمَا اسْتَيْسَرَ ﴾.
فصل
تقدير الكَلاَمِ، فإذا أمنتم الإحصار الخَوْفِ أو المرض، ﴿ فَمَن تَمَتَّعَ بالعمرة إِلَى الحج ﴾ واختلفوا فى هذه المُتْعَةِ : فقال عَبدُ اللَّهِ بنُ الزُّبير : معناه فمن أُحْصِرَ حَتّى فَاتَهُ الحَجُّ، ولم يَتَحَلَّل، فَقَدِمَّ مَكَّةَ، فخرج من إِحرامهِ بعَمَلِ عُمرة، أَو اسْتَمْتَعَ بإِحْلاَلِهِ ذلك بتلك العمرة إلى السَّنَةِ المقبلة، ثم حَجَّ فيَكُونُ متمتعاً بذلك الإحلال إلى إِحْرَامِهِ الثَّانِي فى العَام القَابِلِ، وقيل معناه : فإذا أمنتم، وقد حَلَلْتُم من إحرامِكُم بعد الإحصارِ، ولم تقضوا عمرتكم، وأخرتم العُمرَةَ إلى السَّنَةِ القَابِلة، فاعْتَمَرتُم فى ما اسْتَيْسَرَ من الهَدْي، وهو قول علْقَمَة، وإبراهيم النَّخعيِّ، وسعيد بن جبير.
ومعنى التَّمَتُّع : التَّلَذُّذ، يقالُ تمتَّعَ بالشَّيءِ، أي : تَلَذَّذَ به، والمتاع : كُلُّ شَيءٍ يُتمتع به، وأصلُهُ من قولهم :» حَبْلٌ ماتِعٌ « أي : طويلٌ، وكل ما طالت صحبته بالشَّيء، فهو مُتَمتِّعٌ به، والتمتع بالعمرة إلى الحَجّ هو أن يَقدُم مكَّة مُعْتمِراً فى أشهرِ الحجِّ وينزع منها، ثم يقيمُ بمكَّةَ حلالاً، حتَّى يُنشىء منها الحَجَّ من عَامِهِ ذلك، وإنَّما سُمِّي متمتعاً لأنَّهُ يكُونُ مستمتعاً بمحظورات الحج فيما بين تحلله من العمرة إلى إحرامِهِ بالحَجِّ، وهذا التمتع الَّذي ليس بمكروهٍ، بل هو الأفضلُ عند أحمد، وإتمامِ التَّمتُّع المكروه، وهو الَّذي خطب به عمر - رضي الله عنه - وقال :» مُتْعَتَانِ كَانَتَا على عهد رَسُول الله - ﷺ - وأنا أنهى عنهما، وأُعاقِبُ عليهما، مُتْعَةُ النِّسَاءِ، ومتعة الحَجِّ «، والمراد بهذه المتعة أن يجمع بين الإحرامين، ثُمَّ يفسخ الحجَّ إلى العمرة، ويتمتَّعُ بها إلى الحَجِّ، روي أنَّ رسول الله - ﷺ - أَذن لأصحابه فى ذلك ثُمَّ نسخ.