وقيل : إنّ آدم - عليه السّلام - علّمهُ جبريل مَنَاسِك الحَجِّ، فلمّا وقَفَ بعَرَفَاتٍ قال له : أَعَرفتَ؟ قال : نعم، فسُمِّي عَرَفَاتٍ.
وقيل : إن الحجاج يتعارَفُون بعَرَفَاتٍ إذا وَقَفُوا.
وقيل : إنّه - تبارك وتعالى - يتعرّف فيه إلى الحُجَّاجِ بالمَغْفِرة والرَّحْمة.
وروى أبو صالحٍ عن ابن عبَّاسٍ؛ أنّ إبراهيم - عليه السّلام - رأى ليلة التَّروية في منامه، أنَّه يؤمر بذبح ولده، فلما أصبح روَّى يومه أجمع، أي : فكّر أمنَ الله هذه الرُّؤيا أم من الشَّيطان؟ فسمِّي اليوم يوم التَّروية. ثم رأى ذلك ليلة عرفة ثانياً، فلمّا أصبح عرف أنّ ذلك من الله، فسمي اليوم عرفة.
[ وقيل : مشتقَّة من العرف، وهو الرائحة الطيبة ].
قال تعالى :﴿ وَيُدْخِلُهُمُ الجنة عَرَّفَهَا لَهُمْ ﴾ [ محمد : ٦ ] أي طيَّبها لهم، فيكون المعنى : أن المذنبين لمّا تابوا في عرفات، فقد تخلَّصوا من نجاسات الذُّنوب، واكتسبوا عند الله رائحةً طيِّبة.
وقيل : أصله من الصَّبر : يقال : رجل عارفٌ؛ إذا كان صابراً خاشعاً؛ قال ذو الرُّمَّة في ذلك :[ الطويل ]
٩٩٩ -............................. | عَرُوفٌ لَمَا خَطَّتْ عَلَيْهِ عَلَيْهِ المَقَادِرُ |
وقيل : مشتقَّة من الاعتراف؛ لأن الحاجَّ إذا وقف اعترف للحقِّ بالربوبيَّة والجلال والاستغناء، ولنفسه بالفقر والذِّلَّة والمسْكَنَة والحاجة.
وقيل : إنّ آدم وحوّاء - عليهما السّلام - لمّا وقفا بعرفاتٍ، قالا :﴿ رَبَّنَا ظَلَمْنَآ أَنفُسَنَا ﴾ [ الأعراف : ٢٣ ] قال الله - سبحانه وتعالى - :« الآن عَرَفْتُمَا أَنْفُسَكُما »
وقيل : من العرف، وهو الارتفاع، ومنه عرف الدّيك، وعرفات جمع عرفة في الأصل.
ثم سمّي به بقعة واحدة كقولهم : ثوبٌ أخلاقٌ، وبرمةٌ أعشار، وأرضٌ سباسب، والتَّقدير، كان كلُّ قطعة من تلك الأرض عرفة، فسمِّي مجموع تلك القطع بعرفاتٍ.
والمشهورُ : أنَّ عرفات وعرفة واحدٌ، وقيل : عرفة اسم اليوم، وعرفات اسم مكان، وعرفة هي نعمان الأراك؛ قال الشَّاعر :[ الطويل ]
١٠٠٠ - تَزَوَّدْتُ مِنْ نَعْمَانَ عُودِ أَرَاكَةٍ | لِهِنْدٍ وَلَكِنْ مَنْ يُبْلِّغُهُ هِنْدَا |
أظهرها : أنه تنوين مقابلةٍ، يعنون بهذا أنَّ تنوين هذا الجمع مقابلٌ لنون جمع الذكور، فتنوين مسلماتٍ مقابلٌ لنون مسلمين، ثم جعل كلُّ تنوين في جمع الإناث - وإن لم يكن لهنّ جمعٌ مذكرٌ - طرداً للباب.
والثاني : أنه تنوين صرف، وهو ظاهر قول الزمخشريِّ؛ فإنه قال :« فإن قلتَ : فَهَلاَّ مُنِعَتِ الصَّرْفَ، وفيها السببان : التعريف والتأنيث؛ قلت : لا يخلو التأنيث : إما أن يكون بالتاء التي في لفظها، وإما بتاء مقدَّرة؛ كما هي في » سُعاد «، فالتي في لفظها ليست للتأنيث، وإنما هي مع الألف التي قبلها علامة جمع المؤنَّث، ولا يصحُّ تقدير التاء فيها؛ لأنَّ هذه التاء لاختصاصها بجمع المؤنث مانعةٌ من تقديرها، كما لا تقدَّر تاء التأنيث في » بِنْتٍ « ؛ لأنَّ التاء التي هي بدلٌ من الواو؛ سبباً فيها، فصار التنوين عنده للصَّرف.