قوله :« كَمَا هَدَاكُمْ » فيه خمسة أقوال :
أحدها : أن تكون « الكَافُ » في محلّ نصبٍ نعتاً لمصدر محذوفٍ.
والثاني : أن تكون في محلِّ نصبٍ على الحال من ضمير المقدَّر، وهو مذهب سيبويه.
والثالثك أن يكون في محلِّ نصب على الحال من فاعل « اذْكُرثوا » تقديره : مشبهين لكم حين هداكم، قال أبو البقاء :« ولا بُدَّ من حذفِ مضافٍ؛ لأنَّ الجُثَّة لا تشبه الحدث ».
ومثله :« كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ » الكاف نعت لمصدر محذوف.
قال القرطبيّ : والمعنى :« اذْكُرُوه ذكْراً حسناً كما هَدَاكُمْ هَدَاية حَسنَة ».
الثالث : أن يكون حالاً، تقديره : فاذكروا الله مبالغين.
والرابع : للتعليل بمعنى اللام، أي : اذكروه لأجل هدايته إيَّاكم، حكى سيبويه رحمه الله :« كَمَا أنَّهُ لاَ يَعْلَمُ، فتَجَاوَزَ اللَّهُ عَنْهُ ». وممَّن قال بكونها للعلِّيَّة الأخفش وجماعةٌ.
و « مَا » في « كَمَا » يجوز فيها وجهان :
أحدهما : أن تكون مصدريةً، فتكون مع ما بعدها في محلِّ جر بالكاف، أي : كهدايته.
والثاني - وبه قال الزمخشريُّ وابن عطية - أن تكون كافَّةً للكاف عن العمل، فلا يكون للجملة التي بعدها محلٌّ من الإعراب، بل إن وقع بعدها اسم، رفع على الابتداء كقول القائل :[ الطويل ]

١٠٠٢ - وَنَنْصًرُ مَوْلاَنَا ونَعْلَمُ أَنَّهُ كَمَا النَّاسُ مَجْرُومٌ عَلَيْهِ وَجَارِمُ
وقال آخر :[ الوافر ]
١٠٠٣ - لَعَمْرُكَش إنَّنِي وَأَبَا حُمَيْدٍ كَمَا النَّشْوَانُ والرَّجُلُ الْحَلِيمُ
أُرِيدُ هِجَاءَهُ وَأَخَافُ رَبِّي وَأَعْلَمُ أَنَّهُ عَبْدٌ لَئِيمٌ
وقد منع صاحب « المُسْتَوْفى » كون « مَا » كافةً للكاف، وهو محجوجٌ بما تقدّم.
والخامس : أن تكون الكاف بمعنى « عَلَى » ؛ كقوله :﴿ وَلِتُكَبِّرُواْ الله على مَا هَدَاكُمْ ﴾ [ البقرة : ١٨٥ ].
فإن قيل : قوله تعالى :﴿ واذكروا الله عِندَ المشعر الحرام ﴾ ثم قال :« وَاذْكُرُوهُ » فما فائدة هذا التَّكرار؟
فالجواب من وجوهٍ :
أحدها : أنّ أسماء الله - تعالى - توقيفيَّة؛ فقوله أولاً :﴿ واذكروا الله ﴾ أمر بالذِّكر، وقوله تعالى :﴿ واذكروه كَمَا هَدَاكُم ﴾ أمر بأن نذكره بالأسماء والصِّفات التي بيَّنها لنا وهدانا إليها، لا بأسماء تذكر بحسب الرَّأي والقياس.
وقيل : أمر بالذِّكر أولاً، ثم قال :﴿ واذكروه كَمَا هَدَاكُمْ ﴾، أي : وافعلوا ما أمركم به من الذِّكر كما هداكم لدين الإسلام، كأنّه قال : إنَّما أمرتكم بهذا الذِّكر؛ لتكونوا شاكرين لتلك النِّعمة، ونظيره ما أمرهم به من التكبير عند فراغ رمضان، فقال :﴿ وَلِتُكْمِلُواْ العدة وَلِتُكَبِّرُواْ الله على مَا هَدَاكُمْ ﴾ [ البقرة : ١٨٥ ]، وقال في الأضاحي :﴿ كذلك سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُواْ الله على مَا هَدَاكُمْ ﴾ [ الحج : ٣٧ ].
وقيل : أمر أولاً بالذِّكر باللِّسان، وثانياً بالذِّكر بالقلب، فإن الذكر في كلام العرب ضربان :
أحدهما : الذِّكر ضد النِّسيان.
والثاني : الذِّكر بالقول.
فالأول : كقوله :﴿ وَمَآ أَنْسَانِيهُ إِلاَّ الشيطان أَنْ أَذْكُرَهُ ﴾ [ الكهف : ٦٣ ].
والثاني : كقوله :﴿ فاذكروا الله كَذِكْرِكُمْ آبَآءَكُمْ ﴾ [ البقرة : ٢٠٠ ]، و


الصفحة التالية
Icon