﴿ واذكروا الله في أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ ﴾ [ البقرة : ٢٠٣ ] فالأول محمول على الذِّكر باللِّسان، والثاني على الذكر بالقلب.
وقال ابن الأنباري : معنى قوله :﴿ واذكروه كَمَا هَدَاكُمْ ﴾ أي : اذكروه بتوحيده كما ذكركم بهدايته.
وقيل : المراد مواصلة الذكر بالذِّكر؛ كأنه قيل لهم : اذكروا الله واذكروه، أي : اذكروه ذكراً بعد ذكر؛ كما هداكم هداية بعد هداية، نظيره قوله :﴿ ياأيها الذين آمَنُواْ اذكروا الله ذِكْراً كَثِيراً ﴾ [ الأحزاب : ٤١ ].
وقيل : المراد بالذكر الأول : ذكر الله بأسمائه وصفاته الحسنى، والمراد بالثاني : الاشتغال بشكر نعمائه والشُّكر مشتمل أيضاً على الذِّكر.
فصل
قال بعضهم : إن هذه الهداية خاصَّة، والمراد : كما هداكم في مناسك حجِّكم إلى سنَّة إبراهيم - عليه السلام -.
وقال بعضهم : بل هي عامَّة متناولة لكل أنواع الهدايات.
قوله :﴿ وَإِن كُنْتُمْ مِّن قَبْلِهِ لَمِنَ الضآلين ﴾ :« إنْ » هذه هي المخفَّفة من الثقيلة، واللام بعدها للفرق بينهما وبين النافية، وجاز دخول « إنْ » على الفعل؛ لأنه ناسخٌ، وهل هذه اللام لام الابتداء التي كانت تصحب « إنَّ »، أو لامٌ أخرى غيرها؛ اجتلبت للفرق؟ قولان هذا رأيُ البصريِّين.
وأمَّا الكوفيون فعندهم فيها خلاف : فزعم الفرّاء أنها بمعنى « إنْ » النافية، واللام بمعنى « لاَّ »، أي : ما كنتم من قبله إلاَّ من الضالِّين، ومذهب الكسائيِّ التفصيل : بين أن تدخل على جملةٍ فعليَّة، فتكون « إنْ » بمعنى « قَدْ »، واللاَّم زائدةً للتوكيد؛ كقوله :﴿ وَإِن نَّظُنُّكَ لَمِنَ الكاذبين ﴾ [ الشعراء : ١٨٦ ]، وبين أن تدخل على جملةٍ، كقوله :﴿ إِن كُلُّ نَفْسٍ لَّمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ ﴾ [ الطارق : ٤ ] ؛ فتكون كقول الفرَّاء.
و « مِنْ قَبْلِهِ » متعلِّقٌ بمحذوفٍ يدلُّ عليه « لَمِنَ الضَّالِّينَ »، تقديره : كنتم من قبله ضالِّين لمن الضَّالِّين، ولا يتعلَّق بالضالِّينَ بعده؛ لأنَّ ما بعد « أَلِ » الموصولةِ، لا يعمل فيما قبلها، إلا على رأي من يتوسَّع في الظرف، والهاء في « قَبْلِهِ » عائدةٌ على « الهُدَى » المفهوم من قوله « كَمَا هَدَاكُمْ ».
وقيل : تعود إلى القرآن، والتقدير : واذكروه كما هداكم، بكتابه الذي بيَّن لكم معالم دينه، وإن كنتم من قبل إنزاله عليكم من الضَّالِّين.
وقيل : إلى الرَّسول.