الثاني : أن يكونَ مَعْطُوفاً على محلِّ الكاف في « كَذِكْرِكُم » ؛ لأنها عندهم نعتٌ لمصدر محذوف، تقديرُه :« ذِكْراً كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ » وجَعَلُوا الذِّكْرَ ذاكراً مجازاً؛ كقولهم : شِعْرٌ شَاعِرٌ، وهذا تخريج أبي عَلِيٍّ وابن جنِّي.
الثالث : قاله مَكّيٌّ : أن يكونَ منصوباً بإضمار فِعْلٍ، قال : تقديرُه :« فاذْكرُوهُ ذِكْراً أَشَدَّ من ذِكرِكُمْ لآبائكم » ؛ فيكونَ نعتاً لمصدر في موضع الحالِ، أي : اذكُرُوهُ بَالِغِينَ في الذِكْرِ.
الرابع : أن يكونَ مَنْصُوباً بإضمار فعْلِ الكَوْن، قال أبو البقاء :« وعِنْدِي أنَّ الكلاَمَ محمولٌ على المَعْنى، والتقدير : أو كُونُوا أَشَدَّ لِلَّهِ ذِكْراً منكم لآبائِكُمْ، ودلَّ على هذا المعنى قولُه :﴿ فاذكروا الله ﴾ أي : كونوا ذَاكِريهِ، وهذا أسهلُ مِنْ حَمْلِه على المَجَاز » يعنى المجازَ الذي تقدَّم ذِكْرُهُ عن الفارسيِّ وتلميذه.
الخامس : أن يكون « أَشَدَّ » نَصْباً على الحال مِنْ « ذِكْراً » ؛ لأنه لو تأخَّرَ عنه، لكان صفةٌ له؛ كقوله :[ مجزوء الوافر ]

١٠٠٥ - لِمَيَّةَ مُوحِشاً طَلَلُ يَلُوحُ كَأَنَّهُ خِلَلُ
« مُوحِشاً » حالٌ من « طَلَل » ؛ لأنَّه في الأصل صفةٌ، فلما قُدِّم تعذَّر بقاؤه صفةً، فَجُعِلَ حالاً، قاله أبو حيَّانّ - رحمه الله تعالى -، فإنه قال بعد ذكْره ثلاثةَ أوجه لنصبه، ووجهين لجَرِّه :« فهذه خمسةُ أوجه كلُّها ضعيفةٌ، والذي يتبادر إلى الذِّهْنِ في الآية أنهم أُمِرُوا بأَنْ يَذْكُروا الله ذِكْراً يُمَاثِلُ ذِكْرَ آبائِهِم، أَوْ أَشَدَّ، وقد ساغ لنا حَمْلُ هذه الآية الكريمة لعيه بوجهٍ ذُهِلُوا عنه »، فَذَكَر ما تقدَّم، ثم جَوَّز في « ذِكْراً » - والحالةُ هذه - وجْهَين :
أحدهما : أن يكونَ معطوفاً على مَحَلِّ الكاف في « كِذِكْرِكُمْ »، ثم اعترضَ على نفسِه في هذا الوجه؛ بأنه يلزم منه الفصلُ بين حرفِ العطف، وهو « أَوْ » وبين المعطوف وهو « ذِكْراً » بالحال، وهو « أَشَدَّ »، وقد نصَّ النحويون على أن الفصْلَ بينهما لا يجوز إلا بشرطَيْن :
أحدهما : أن يكون حرفُ العطفِ أكثرَ من حرفٍ واحد.


الصفحة التالية
Icon