والثاني : أن يكونَ الفاصلُ قَسَماً، أو ظَرْفاً أو جَارّاً، وأحدُ الشرطَيْنِ موجودٌ، وهو الزيادةٌ على حرِفٍ، والآخرُ مفقودٌ، وهو كونُ الفاصل ليس أحدَ الثلاثةِ المتقدِّمة، ثم أجابَ بأن الحالَ مقدَّرةٌ بحرفِ الحر وشَبَّهه بالظرفِ، فَأُجْرِيَت مُجْرَاهُمَا.
والثاني : من الوجْهَيْن في « ذِكْراً » أن يكونَ مصدراً لقوله :« فَاذْكُرُوا »، ويكون قوله :« كَذِكْرِكُمْ » في محلِّ نصبٍ على الحال مِنْ « ذِكْراً » ؛ لأنها في الأصل صفةٌ له، فلما قُدِّمتْ، كانَتْ في محلِّ حالٍ، ويكون « أَشَدَّ » عطفاً على هذه الحال، وتقديرُ الكلامَ « » فاذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَذِكْرِكُمْ، أي : مُشْبِهاً ذِكْرَكُمْ أَو أَشَدَّ « ؛ فيصيرُ نظيرَ :» اضْرِبْ مِثْلَ ضَرْبِ فُلاَنِ أَوْ أَشَد « الأصل : اضْرِبْ ضَرْباً مِثْلَ ضَرْبِ فُلاَنِ أَوْ أَشَدَّ.
و » ذِكْراً « تمييزٌ عند غير الشَّيح كما تقدَّم، واستشْكَلُوا كونَه تمييزاً منصوباً؛ وذلك أن أفعلَ التفضيل يجب أن تُضَاف إلى ما بعدها، إذا كان مِنْ جنسِ ما قبلها؛ نحو :» وَجْهُ زَيْدٍ أَحْسَنُ وَجْهٍ «، » وعِلْمُهُ أَكْثَرُ عِلْم « وإنْ لم يكن مِنْ جنسِ ما قبلها، وجَبَ نصبُه؛ نحو :» زَيْدٌ أَحْسَنُ وَجْهاً، وخَالِدٌ أَكْثَرُ عِلْماً «، إذا تقرَّر ذلك، فقوله :» ذِكْراً « هو من جنس ما قبلها، فعلَى ما قُرِّر، كان يقتضي جَرَّه، فإنه نظيرُ :» اضْرِبْ بَكْراً كَضَرْبِ عَمْرٍو زَيْداً أَوْ أَشَدَّ ضَرْبٍ « بالجرِّ فقط. والجوابُ عن هذا الإِشكالِ مأَخوذٌ من الأوجه المتقدِّمة في النصب والجر المذكورَيْن في » أَشَدَّ « ؛ من حيث أن يُجْعَلَ الذِّكْرُ ذاكراً مجازاً؛ كقولهم :» شِعْرٌ شَاعِرٌ « ؛ كما قال به الفارسيُّ وصاحبُه، أو يُجْعَلَ » أَشَدَّ « من صفاتِ الأعيان، لا من صفاتِ الإِذكار؛ كما قال به الزمخشريُّ، أو يُجْعَلَ » أَشَدَّ « حالاً من » ذكْراً « أو ننصبّه بفعْلٍ و » أو « هنا قيل للإِباحةِ، وقيل للتخيير، وقيل : بمعنى بَلْ، وهو قول أكثر المفسِّرين.
قوله :﴿ فَمِنَ الناس مَن يَقُولُ رَبَّنَآ آتِنَا فِي الدنيا ﴾ » مَنْ « مبتدأٌ، وخبرُه في الجارِّ قبله، ويجوز أن تكونَ فاعلةً عند الأخفش، وأن تكونَ نكرةً موصوفةً، وفي هذا الكلام التفاتٌ؛ إذ لو جَرَى على النسقِ الأولِ، لقيل :» فَمِنْكُمْ «، وحَمِل على معنى » مَنْ « ؛ إذ جاء جَمْعاً في قوله :» رَبِّنَا آتِنَا «، ولو حُمِل على لفظِها، لقال » رَبِّ آتِني «.
وفي المفعول الثاني ل » آتِنَا « - لأنه يتعدَّى لاثْنَيْنِ ثانيهما غيرُ الأَوَّل - ثلاثةُ أقوال :
أظهرها : أنه محذوفٌ؛ اختصاراً أو اقتصاراً؛ لأنه من باب » أَعْطَى «، أي : آتِنا ما نُريدُ، أو مطلوبَنَا.