، فنزل في الزُّبَيْر والمِقْداد ﴿ وَمِنَ الناس مَن يَقُولُ آمَنَّا بالله ﴾ [ البقرة : ٢٠٧ ] حين شرِيا أنفسَهُمَا لإِنْزَالِ خُبَيْبٍ عن خَشَبَته.
وقال أكثرُ المفسِّرين : نزلت في صُهَيب بن سِنان، مَوْلى عبد اللَّهِ بنِ جُدْعانَ الرُّومِيِّ، وفي عمَّارِ بن ياسِرٍ، وفي سُمَيَّة أُمَّه، وفي ياسِرٍ أَبيه، وفي بلالٍ مَوْلَى أبي بَكرٍ، وفي خَبَّاب بن الأَرَتّ وفي عابس مَوْلَى حُوَيْطِب؛ أخذَهُم المشرِكُون فَعَذَّبوهم؛ فقال لهم صُهَيبٌ : إِنِّي شيخٌ كَبيرٌ لا يَضُرُّكُمْ أَمِنْكُمْ كُنْتُ أم مِن عَدوِّكم فهل لكم أَنْ تَأْخُذُوا مَالِي، وتذَرُوني؟ ففعلوا، وكان شرط عليهم راحلةً ونَفَقَةً، فأقام بمكةَ ما شاء اللَّهُ، ثم خرج إلى المدينَةِ، فتَلَقَّاهُ أَبُو بكرٍ وعُمرُ في رجال فقال له أَبُو بَكْرٍ : رَبَحَ بَيْعُكَ يا أَبَا يَحيى؛ فقال : وبيعُكَ فلا تخسر ما ذاك؟ فقال : أنزل اللَّهُ فيك كذا وقرأ عليه الآية.
وأمَّا خَبَّابُ بنُ الأَرَتِّ وأَبُو ذَرٍّ ففرَّا إلى المدينة، وأَمَّا سُمَيَّةُ فَرُبطَتْ بين بعيرين ثم قُتلت، وقُتل ياسِرٌ.
وَأَمَّا البَاقُونَ : فأَعْطوا بسبب العذاب بعض ما أراد المشركُون، فتُرِكُوا، وفيهم نزل قوله تعالى :﴿ والذين هَاجَرُواْ فِي الله مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُواْ ﴾ [ النحل : ٤١ ] بتعذيب أهل مكة ﴿ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدنيا حَسَنَةً ﴾ [ النحل : ٤١ ] بالنَّصر والغنيمة، ﴿ وَلأَجْرُ الآخرة أَكْبَرُ ﴾، وفيهم أُنْزِلَ ﴿ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدنيا حَسَنَةً ﴾ [ النحل : ١٠٦ ].
وقال سعيدُ بن المُسَيِّب، وعَطَاء : أقبل صُهَيبٌ مهاجراً نحو النبي - ﷺ - فاتَّبعُه نفرٌ من مُشركِي قريش، فنزل عن راحِلَته، ونَثَلَ ما في كِنانته، ثُمَّ قال : يا معشَرَ قريشٍ، لقد علمتُمْ أَنِّي لَمِنْ أَرْماكُم رَجُلاً، واللَّهِ لا أضع سَهْماً من كِنَانتي إِلاَّ في قَلْبِ رجلٍ منكم وَأَيْمُ اللَّهِ، لا تَصِلُون إِليَّ حتى أَرْمِي بكل سَهْمٍ في كِنَانتي، ثم أَضْربُ بسيفي ما بَقِيَ في يَدِي، ثم افعلُوا ما شِئْتم، وإن شئتم دَلَلْتُكُمْ على مالِي بمكة وخلَّيْتُم سَبِيلي.
قالُوا : نَعَمْ، ففعل ذلك، فنزلت الآيةُ وقال الحسنُ : أَتَدْرُونَ فِيمن نزلت هذه الآية؟ نزلَت في المُسْلِم يلْقَى الكافِر فيقولُ له : قُلْ لا إِله إلاَّ اللَّهُ، فيَأْبَى أَنْ يقولَهَا، فيقولُ المسلِم : واللَّهِ لأشترينَّ من نفسي لِلَّهِ، فيتقدَّم فيقاتِلُ حَتَّى يقتل.
ورُوِيَ عن عُمر، وعَلِيٍّ، وابنِ عبَّاسِ : أَنَّها نزلت في الأَمر بالمعرُوفِ، والنَّهي عن المُنْكَرِ.