« هَلْ » لفظه استفهامٌ والمراد به النفي؛ كقوله :[ الطويل ]

١٠٢٧ - وَهَلْ أَنَا إِلاَّ مِنْ غَزِيَّةَ إنْ غَوَتْ غَوَيْتُ، وَإِنْ تَرْشُدْ غَزِيَّةُ أَرْشُدِ
أي : ما ينظرون، وما أنا، ولذلك وقع بعدها « إلاَّ » كما تقع بعد « ما ». و « هَلْ » تأتي على أربعة أوجهٍ :
الأأول : بمعنى « مَا » كهذه الآية، وقوله :﴿ هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ تَأْوِيلَهُ ﴾ [ الأعراف : ٥٣ ].
الثاني : بمعنى « قَدْ » كقوله تعالى :﴿ هَلْ أتى عَلَى الإنسان ﴾ [ الإنسان : ١ ] أي : قد أتى، وقوله :﴿ وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الخصم ﴾ [ ص : ٢١ ] و ﴿ هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الغاشية ﴾ [ الغاشية : ١ ]، أي : قد أتاك.
والثالث : بمعنى « أَلاَ » قال تعالى :﴿ هَلْ أَدُلُّكُمْ ﴾ [ طه : ٤٠ ] أي : أَلاَ أدلكم، ومثله ﴿ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ على مَن تَنَزَّلُ الشياطين ﴾ [ الشعراء : ٢٢ ] أي : ألا أنبئكم.
الرابع : بمعنى الاستفهام، قال تعالى :﴿ هَلْ مِن شُرَكَآئِكُمْ مَّن يَفْعَلُ ﴾ [ الروم : ٤٠ ].
و « يَنْظُرون » هنا بمعنى ينتظرون، وهو معدًّى بنفسه، قال امرؤ القيس :[ الطويل ]
١٠٢٨ - فَإِنَّكُمَا إِنْ تَنْظُرَانِيَ سَاعَةً مِنَ الدَّهْرِ يَنْفَعْنِي لَدَى أُمِّ جُنْدَبِ
وليس المراد هنا بالنظر تردد العين؛ لأنَّ المعنى ليس عليه؛ واستدلَّ بعضهم على ذلك بأن النظر بمعنى البصر يتعدَّى ب « لى »، ويضاف إلى الوجه، وفي الآية الكريمة متعدٍّ بنفسه، وليس مضافاً إلى الوجه، ويعني بإضافته إلى الوجه قوله تعالى :﴿ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ إلى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ ﴾ [ القيامة : ٢٢، ٢٣ ] فيكون بمعنى الانتظار، وهذا ليس بشيء، أما قوله : إن الذي بمعنى البصر يتعدَّى ب « إلى » فمسلم، وقوله :« وهو هنا متعدٍّ بنفسه » ممنوعٌ، إذ يحتمل أن يكون حرف الجر وهو « إلَى » محذوفاً؛ لأنه يطَّرد حذفه مع « أَنْ » و « أَنَّ »، إذا لم يكن لبسٌ، وأمَّا قوله :« يُضَافُ إلى الوَجْهِ »، فممنوعٌ أيضاً، إذ قد جاء مضافاً للذات؛ قال تعالى :﴿ أرني أَنظُرْ إِلَيْكَ ﴾ [ الأعراف : ١٤٣ ] ﴿ أَفَلاَ يَنظُرُونَ إِلَى الإبل ﴾ [ الغاشية : ١٧ ]. والضمير في « يَنْظُرُونَ » عائدٌ على المخاطبين بقوله :« زَلَلْتُمْ » فهو التفاتٌ.
قوله :﴿ إِلاَّ أَن يَأْتِيَهُمُ ﴾ هذا مفعول « يَنْظُرُونَ » وهو استثناءٌ مفرَّغٌ، أي : ما ينظرون إلا إتيان الله.
والمعنى ما ينظرون، يعني التاركون الدخُّول في السِّلم.
قوله تعالى :« في ظُلَلٍ » فيه أربعة أوجهٍ :
أحدها : أن يتعلَّق بيأتيهم، والمعنى : يأتيهم أمره أو قدرته أو عقابه أو نحو ذلك، أو يكون كنايةً عن الانتقام، إذ الإتيان يمتنع إسناده إلى الله تعالى حقيقةً.
والثاني : أن يتعلَّق بمحذوف على أنه حال، وفي صاحبها وجهان :
أحدهما : هو مفعول يتيهم، أي : في حال كونهم مستقرين في ظلل، وهذا حقيقة.
والثاني : أنه الله تعالى بالمجاز المتقدِّم، أي : أمر الله في حال كونه مستقراً في ظلل.


الصفحة التالية
Icon