قال سفيان بن عيينة : كلّ ما وصف الله به نفسه في كتابه، فتفسيره : قراءته، والسكوت عنه؛ ليس لأحدٍ أن يفسِّره إلاَّ الله ورسوله.
وروي عن ابن عبَّاسِ أنه قال : نزل القرآن على أربعة أوجهٍ :
وجه لا يعرفه أحد لجهالته، ووجه يعرفه العلماء، ووجه نعرفه من قبل العربيَّة فقط، ووجه لا يعلمه إلاَّ الله.
وقال جمهور المتكلِّمين : لا بدَّ من التَّأويل، وفيه وجوهٌ :
أحدها : أنَّ المراد ﴿ يَأْتِيَهُمُ الله ﴾ آياتُ الله. فجعل مجيء الآيات مجيئاً له؛ على التفخيم لشأن الآيات؛ لأنه قال قبله :« فَإشنْ زَلَلْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْكُمْ البَيِّنَاتُ » ثم ذكر هذه الآية في معرض التهديد، ومعلومٌ أنه بتقدير أن يصح المجيء على الله تعالى لم يكن مجرد حضوره سبباً للتهديد والزَّجر، وإذا ثبت أنَّ المقصود من الآية إنَّما هو الوعيد والتهديد والزجر، وجب أن يضمن في الآية مجيء الآيات والقهر والتَّهديد، ومتى أضمرنا ذلك، زالت الشُّبهة بالكلية.
الثاني : أن يأتيهم أمر الله، كقوله :﴿ إِنَّمَا جَزَآءُ الذين يُحَارِبُونَ الله ﴾ [ المائدة : ٣٣ ] والمراد : يحاربون أولياءه. وقوله :﴿ واسأل القرية ﴾ [ يوسف : ٨٢ ] والمراد : أهل القرية، فكذا قوله :« يَأتِيهِم اللَّهُ » المراد : يأتيهم أمر الله، كقوله :﴿ وَجَآءَ رَبُّكَ والملك صَفّاً صَفّاً ﴾ [ الفجر : ٢٢ ]، وليس فيه إلاَّ حذف المضاف، وإقامة المضاف إليه مقامه، وهو مجازٌ مشهورٌ كثيرٌ في كلامهم، تقول :« ضرب الأمير فلاناً، وصلبه، وأعطاه » وهو إنَّما أمر بذلك، لأنه تولَّى ذلك بنفسه، ويؤكد هذا قوله في سورة النحل :﴿ هَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ أَن تَأْتِيَهُمُ الملائكة أَوْ يَأْتِيَ أَمْرُ رَبِّكَ ﴾ [ النحل : ٣٣ ] فصارت هذه الآية مفسرة لتلك الآية، لأنَّ هذه الآيات لمَّا وردت في واقعةٍ واحدةٍ، لم يبعد حمل بعضها على البعض، ويؤيِّده - أيضاً - قوله بعده :« وَقُضِيَ الأَمْرُ » والألف واللام للمعهود السَّابق، وهو الأمر الذي أمضرمناه.
فإن قيل : أمر الله صفة قديمة، فالإتيان عيلها محالٌ.
وعند المعتزلة : أنه أصواتٌ، فتكون أعراضاً، فالإتيان عليها - أيضاً - محال.
والجواب : أن الأمر في اللغة له معنيان :
أحدهما : الفعل والشَّأْن والطَّريق؛ قال تعالى :﴿ وَمَآ أَمْرُنَآ إِلاَّ وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بالبصر ﴾ [ القمر : ٥٠ ]، ﴿ وَمَآ أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ ﴾ [ هود : ٩٧ ]، وفي المثل :« لأَمْرِ مَا جَدَعَ قَصِيرٌ أَنْفَهُ »، و « لأَمْرِ مَا يُسَوَّدُ مَنْ يُسَوَّدُ »، فيجعل الأمر عبارة عن الفعل، وهو ما يليق بتلك المواقف من الأهوال، وهذا هو التَّأويل الأول، وإن حملنا الأمر على ضدِّ النهي، ففيه وجهان :
أحدهما : أن منادياً ينادي يوم القيامة ألا أن الله يأمركم بكذا، وكذا، فذاك هو إتيان الأمر.
وقوله :« في ظُلَلٍ »، أي : مع ظللٍ، والتقدير : أن سماع ذلك النداء ووصول تلك الظلل يكون في زمان واحد.