﴿ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيراً ﴾ [ الفرقان : ٥٩ ]، وقد جمع بينهما في قوله :[ الطويل ]
١٠٣٢ -... فَأَصْبَحْنَ لاَ يَسْأَلْنَنِي عَنْ بِمَا بِهِ
............................. وقد يحذف حرف الجرِّ، فمن ثمَّ جاز في محلِّ « كَمْ » النصب، والخفض بحسب التقديرين، و « كَمْ » هنامعلقة للسؤال، والسؤال لا يعلَّق إلا بالاستفهام؛ كهذه الآية، وقوله تعالى :﴿ ﴾ [ القلم : ٤٠ ]، وقوله :[ الطويل ]
١٠٣٣ - يَا أَيُّهَا الرَّاكِبُ المُزْجِي مَطِيَّتَهُ... سَائِلْ بَنِي أَسَدٍ مَا هَذِهِ الصَّوْتُ
وقال آخر :[ السبيط ]
١٠٣٤ -........................... وَاسْأَلْ بِمَصْقَلَةَ البَكْرِيِّ مَا فَعَلا
وإنما علَّق السؤال، وإن لم يكن من أفعال القلوب؛ قالوا : لأنه سببٌ للعلم، والعلم يعلَّق، فكذلك سببه، وإذا كانوا قد أجروا نقيضه في التعليق مجراه في قوله :[ الطويل ]
١٠٣٤ - وَمَنْ أَنْتُمُ إِنَّا نَسِينَا مَنَ أَنْتُمُ... وَرِيحُكُمْ مِنْ أَيِّ رِيحِ الأَعَاصِرِ
فإجراؤهم سببه مجراه أولى.
واختلف النحاة في « كَمْ » : هل بسيطةٌ، أو مركبة من كاف التَّشبيه وما الاستفهامية، حذفت ألفها؛ لانجرارها، ثم سكنت ميمها، كما سكّنت ميم « لِمْ » من « لِمْ فَعَلْتَ كَذَا » في بعض اللغات، فركِّبتا تركيباً لازماً؟ والصحيح الأول. وأكثر ما تجيء في القرآن خبريَّةً مراداً بها التكثير، ولم يأت ممِّزها في القرآن إلا مجروراً بمن.
قال أبو مسلمٍ : في الآية حذفٌ، والتَّقدير : كم آتيناهم من آية بيِّنةٍ، وكفروا بها، ويدلُّ على هذا الإضمار قوله :﴿ وَمَن يُبَدِّلْ نِعْمَةَ الله ﴾.
فصل
اعلم أنَّه ليس المقصود اسأل بني إسرائيل ليخبروك عن تلك الآيات لتعلمها؛ لأنه - عليه السلام - كان علاماً بها بإعلام الله له، وإنما المقصود المبالغة في الزَّجر عن الإعراض عن دلائل الله تعالى، فهو سؤالٌ على جهة التَّقريع والتَّوبيخِ؛ لأنه أمر بالإسلام، ونهى عن الكفر بقوله :﴿ ياأيها الذين آمَنُواْ ادخلوا فِي السلم كَآفَّةً وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشيطان ﴾ [ البقرة : ٢٠٨ ] ثم قال :﴿ فَإِن زَلَلْتُمْ ﴾ [ البقرة : ٢٠٩ ] أي : أعرضتم عن هذا التكليف صرتم مستحقين للتهديد، بقوله :﴿ فَإِن زَلَلْتُمْ مِّن بَعْدِ مَا جَآءَتْكُمُ البينات فاعلموا أَنَّ الله عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾ [ البقرة : ٢٠٩ ]، ثم هدَّدهم بقوله :﴿ هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن يَأْتِيَهُمُ الله فِي ظُلَلٍ مِّنَ الغمام والملاائكة ﴾ [ البقرة : ٢١٠ ]، ثم ثلَّث التهديد بقوله :﴿ سَلْ بني إِسْرَائِيلَ ﴾ يعني هؤلاء الحاضرين كم آتينا أسلافهم آيات بيناتٍ فأنكروها، فلا جرم استوجبوا العقاب، وهذا تنبيه لهؤلاء الحاضرين على أنهم لو زلُّوا عن آيات الله، لوقعوا في العذاب.
وفي المراد ب « الآية البيِّنة » قولان :
أحدهما : معجزات موسى - عليه السلام - كما تقدَّم نحو : فلق البحر، وتظليل الغمام، وإنزال المن والسلوى، ونتق الجبل، وتكليم الله تعالى موسى - عليه السلام - والعصا، واليد البيضاء، وإنزال التوراة، وبيّن لهم الهدى من الكفر.
وقيل : المراد بالآية الحجَّة، والدلالة التي آتاهم، التوراة، والإنجيل على نبوة محمَّدٍ ﷺ وصدقه، وصحَّة شريعته.