وقال مقاتلٌ : نزلت في المنافقين كعبد الله بن أُبيٍّ، وأصحابه؛ كانوا يتنعّمون في الدّنيا، ويسخرون من ضعفاء المسلمين، وفقراء المهاجرين، ويقولون : انظروا إلى هؤلاء الذين يزعم محمد أنه يغلب بهم.
قال ابن الخطيب : ولا مانع من نزلها في جميعهم.
روى أسامة بن زيد قال : قال رسول الله ﷺ :« وَقَفْتُ عَلَى بَابِ الْجَنَّةِ، فَرَأَيْتُ أَكْثَرَ أَهْلِهَا المَسَاكِينَ، وَوَقَفْتُ عَلَى بَابِ النَّارِ، فَرَأَيْتُ أَكْثَرَ أَهْلِهَا النِّسَاءَ، وَإنَّ أَهْلَ الجَدِّ مَحْبُوسُونُ إِلاَّ مَنْ كَانَ مِنْهُمْ مِنْ أَهْلِ النَّارِ، فَقَدْ أُمِرَ بِهِ إِلَى النَّارِ »
وروى سهل بن سعدٍ السَّاعديّ، قال :« مرَّ رجلٌ على رسول الله ﷺ فقال لرجل عنده جالسٍ :» مَا رَأَيُكَ في هَذَا « فقال هذا رجل من أشراف النَّاس، هذا والله حريٌّ إن خطب أن ينكح، وإن شفع أن يشفَّع، قال : فسكت رسول الله ﷺ ثم مرَّ رجُلٌ، فقال له رسول الله ﷺ :» مَا رَأْيُكَ في هَذَا « ؟ فقال : يَا رسولَ الله، هذا من فقراء المسلمين، هذا حَرِيٌّ إن خطب ألاّ ينكح وإن شفع ألا يشفَّع، وإن قال لا يسمع لقوله. فقال رسول الله ﷺ :» هذا خَيْرٌ مِنْ مِلْءِ الأَرْضِ مِثْل هَذَا «
وروي عن عليٍّ؛ أنَّ النبيَّ ﷺ قال :» مَنِ اسْتَدَلَّ مَؤْمِناً أَوْ مُؤْمِنَةً، أَوْ حَقَّرَهُ لِفَقْرِهِ وَقِلَّةِ ذَات يَدِهِ، شَهَرَهُ اللَّهُ يَوْمَ القِيَامَةِ، ثُم فَضَحَهُ، وَمَنْ بَهَت مُؤْمِناً أَوْ مُؤْمِنَةً، أَوْ قَالَ فِيهِ مَا لَيْسَ فِيهِ أَقَامَهُ اللَّهُ تَعَالَى في تَلٍّ مِنْ نَارٍ يَوْمَ القِيَامَةِ؛ حَتَّى يَخْرُجَ مِمَّا قَالَ فِيه... «
فصل
قال الجُبَّائيُّك المزيِّن هم غواة الجن، والإنس؛ زينوا للكفار الحرص على الدُّنيا، وقبَّحوا أمر الآخرة.
قال : وأمَّا قول المجبّرة : إنَّ الله تعالى زيَّن ذلك فهو باطلٌ، لأنَّ المزيِّن للشيء كالمخبر على حسنه، فإن كان صادقاً، فيكون ما زينه حسناً، ويكون فاعله مصيباً، وذلك يوجب أنَّ الكافر مصيبٌ في كفره، وهذا القول كفرٌ، وإن كان كاذباً في ذلك التزيين، فيدي إلى أن لا يوثق بخبره، وهذا - أيضاً - كفرٌ، فثبت أنَّ المزيِّن هو الشيطان.
قال ابن الخطيب : وهذا ضعيفٌ، لأنَّ قوله :﴿ زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ ﴾ يتناول جميع الكُفَّار، وهذا يقتضي أن يكون لجميع الكفار مُزَيِّن، فلا بدَّ وأن يكون ذلك المزيِّن مغايراً لهم؛ لأنَّ غواة الجنِّ والإنس داخلون في الكفار أيضاً، إلاَّ أن يقال : إن كلَّ واحدٍ يزيِّن للآخرة فيصير دوراً، فثبت ضعف هذا التأويل.
وأمَّا قوله :» المُزَيِّنُ للشَّيْءِ كالمخبر عن حُسْنِه « فهذا ممنوع، بل المزين من يجعل الشيء موصوفاً بالزينة، ثم لئن سلَّمنا أنَّ المزين للشيء هو المبخر عن حسنه بمعنى أنه أخبر عمَّا فيها من اللَّذَّات والراحات، وذلك الإخبار ليس بكذبٍ، وتصديقه ليس بكفرٍ.