قوله تعالى :﴿ والله يَرْزُقُ مَن يَشَآءُ ﴾ مفعول « يَشَاءُ » محذوف، أي : من يشاء أن يزرقه، و « بِغيرِ حِسَابٍ » هذا الجارُّ فيه وجهان :
أحدهما : أنه زائدٌ.
والثاني : أنه غير زائدٍ، فعلى الأول لا تعلُّق له بشيءٍ، وعلى الثاني هو متعلِّق بمحذوفٍ، فأما وجه الزيادة : فهو أنه تقدَّمه ثلاثة أشياء في قوله :﴿ والله يَرْزُقُ مَن يَشَآءُ ﴾ الفعل والفاعل والمفعول، وهو صالحٌ لأن يتعلَّق من جهة المعنى بكلِّ واحدٍ منها، فإذا تعلَّق بالفعل كان من صفات الأفعال، تقديره : والله يرزق رزقاً غير حساب، أي : غير ذي حساب، أي : أنه لا يحسب ولا يحصى لكثرته، فيكون في محلِّ نصبٍ على أنه نعتٌ لمصدرٍ محذوفٍ، والباء زائدةٌ.
وإذا تعلَّق بالفاعل، كان من صفات الفاعلين، والتقدير : والله يرزق غير محاسب بل متفضلاً، أو غير حاسبٍ، أي : عادٍّ. ف « حساب » واقعٌ موقع اسم فاعل من حاسب، أو من حَسَبَن ويجوز أن يكون المصدر [ واقعاً موقع اسم مفعولٍ من حاسب، أي : الله يرزق غير محاسبٍ ] أي : لا يحاسبه أحدٌ على ما يعطي، فيكون المصدر في محلِّ نصبٍ على الحال من الفاعل، والباء فيه مزيدةً.
وإذا تعلَّق بالمفعول، كان من صفاته أيضاً، والتقدير : والله يرزق من يشاء غير محاسب، أو غير محسوب عليه، أي : لا يعدُّ. فيكون المصدر أيضاً واقعاً موقع اسم مفعول من حاسب أو حسب، أو يكون على حذف مضاف، أي : غير ذي حساب، أي : محاسبة، فالمصدر واقع موقع الحال والباء - أيضاً - زائدة فيه، ويحتمل في هذا الوجه أن يكون المعنى أنه يرزق من حيث لا يحتسب، أي : من حيث لا يظنُّ أن يأتيه الرزق، والتقدير : يرزقه غير محتسب ذلك، أي : غير ظانٍّ له، فهو حال أيضاً، ومثله في المعنى ﴿ وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ ﴾ [ الطلاق : ٣ ]. وكون الباء تزاد في الحال ذكروا لذلك شرطاً - على خلافٍ في جواز ذلك في الأصل - وهو أن تكون الحال منفيَّةٌ، كقوله :[ الوافر ]

١٠٣٦ - فَمَا رَجَعَتْ بِخَائِبَةٍ رَكَابٌ حَكِيمٌ بْنُ المُسَيِّبِ مُنْتَهَاهَا
وهذه الحال - كما رأيت - غير منفيةٍ، فالمنع من الزيادة فيها أولى.
وأمَّا وجه عدم الزيادة، فهو أن تجعل الباء للحال والمصاحبة، وصلاحية وصف الأشياء الثلاثة - إني الفعل، والفاعل، والمفعول - بقوله :« بغير حساب » باقية أيضاً، كما تقدَّم في القول بزيادتها.


الصفحة التالية