ورده أبو حيان بما تقدم، ثم أجاب عنه بأنه يحتمل أن يريد إلى فاعلها في الأصل قبل أن يشبه.
وأجاز الزمخشري فيه وجهاً ثانياً : وهو أن يكون « بديع » بمعنى مُبْدِع؛ كما أن سميعاً في قول عَمْرو بمعنى مسمع؛ نحو :[ الوافر ]

٧٥٣ أَمِنْ رَيْحَانَةَ الدَّاعي السَّمِيعُ يُؤَرِّقُنِي وأصْحَابِي هُجُوعُ
إلا أنه قال :« فيه نظر »، وهذا الوجه لم يذكر أبن عطية غيره، وكأن النظر الذى ذكره الزمخشري والله أعلم هو أن « فعيلاً » بمعنى « مُفْعِل » غيرُ مقبس، وبيت عمرو رضي الله عنه متأول، وعلى هذا القول يكون بديع السموات من باب إضافة اسم الفاعل لمصوبة تقديراً.
والمبدع : المخترع المنشىء، والبديع : الشيء الغريب الفائق غيره حسناً.
قوله تعالى :﴿ وَإِذَا قضى أَمْراً ﴾ العامل في « إذَا » محذوف يدل عليه الجواب من قوله :« فَإنَّمَا يَقُولُ »، والتقدير : إذا قضى أمراً يكون، فيكون هو الناصب له.
و « قضى » له معانٍ كثيرة.
قال الأزهري رحمه الله تعالى :« قضى » على وجوه مرجعُها إلى انقطاع الشَّيء وتمامه؛ قال أبو ذُؤَيْبٍ :[ الكامل ]
٧٥٤ وَعَلَيْهِمَا مَسْرُودَتَانِ قَضَاهُمَا دَاوُدُ أَوْ صَنَعُ السَّوَابِغِ تُبَّعُ
وقال الشَّماخ :[ الطويل ]
٧٥٥ قَضَيْتَ أُمُوراً ثُمَّ غَادَرْتَ بَعْدَهَا بَوَائِقَ في أَكْمَامِهَا لم تُفَتَّقِ
فيكون بمعنى « خَلَقَ » نحو :﴿ فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ ﴾ [ فصلت : ١٢ ] وبمعنى أَعلم :﴿ وَقَضَيْنَآ إلى بَنِي إِسْرَائِيلَ ﴾ [ الإسراء : ٤ ].
وبمعنى أمر :﴿ وقضى رَبُّكَ أَلاَّ تعبدوا إِلاَّ إِيَّاهُ ﴾ [ الإسراء : ٢٣ ].
وبمعنى ألزم :﴿ فَلَمَّا قضى مُوسَى الأجل ﴾ [ القصص : ٢٩ ].
وبمعنى ألزم : قضى القاضي بكذا.
وبمعنى أراد :« إِذَا قَضَى أمْراً ».
وبمعنى أَنْهَى، ويجيء بمعنى قَدَّر وأَمْضَى، تقول : قَضَى يَقْضِي قََضَاءَ؛ قال :[ الطويل ]
٧٥٦ سَأَغْسِلُ عَنِّي العَارَ بَالسَّيْفِ جَالِباً عَلَيَّ قَضَاءُ اللهِ مَا كَانَ جَالِبَا
ومعناه الذي يدل تركيبه عليه هو معنى القطع، من قولهم : قضى القاضي لفلان على فلان بكذا إذا حكم؛ لأنه فصل للدعوى.
ولهذا قيل : حاكم فَيْصل إذا كان قاطعاً للخصومات.
وحكى ابن الأنباري عن أهل اللّغة أنهم قالوا : القاضي معناه القاطع الأمور المحكم لها.
ومنه : انقضى الشيء : إذا تم وانقطع.
وقولهم : قضى حاجته أي : قطعها عن المحتاج ودفعها عنه.
وقضى دينه : إذا أدَّاه إليه كأنه قطع التقاضي والاقتضاء عن نفسه، أو انتفع كل منهما من صاحبه.
وقولهم : قضى الأمر، إذا أتمه وأحكمه.
وأما قولهم : قضى المريض وقضى نَحْبَه : إذا مات، وقضى عليه : قتله فمجاز.
[ اختلفوا في الأمر هل هو حقيقة في القول المخصوص أو حقيقة في الفعل وفي المقدر المشترك وهو كذا في أصول الفقه والله أعلم ].
قال القرطبي رحمه الله تعالى : والأمر في القرآن يتصرف على أربعة عشر وجهاً :
الأول : الدين؛ قال الله تعالى :


الصفحة التالية
Icon