وَأَسْرِجْ لِيَ الدَّهْمَاءَ وَاذْهَبْ بِمِمْطَرِي ولاَ يَعْلَمَنْ خَلْقٌ مِنَ النَّاسِ مَذهَبِي
فجعل « تَغْرُب » جوابابً ل « ارقب » وهو غير مترتِّب عليه، وكذلك لا يلزمُ من قوله أَنْ يفعلوا، وإنما ذلك مُرَاعة لجانب اللفظ.
أما ما ذكره في بيت عمر فصحيح.
وأما الآيات فلا نسلم أَنَّه غير مترتب عليهح لأنه أراد بالعباد الخُلّص، وبذلك أضافهم إليه.
أو تقولُ : إن الجزَمَ على حَذْفِ لامِ الأمر، وسيأتي تحقيقه في موضعه إن شاء الله تعالى.
وقال ابن مالك :« إنَّ » « أنْ » الناصبةَ قد تُضْمر بعد الحَصْر ب « إنما » اختياراً، وحكاه عن بعض الكوفيين.
قال : وحكوا عن العرب : إنما هي ضربة من الأسد فتحطمَ ظهره بنصب « تحطم »، فعلى هذا يكون النَّصْب في قراءة ابن عامر محمولاً على ذلك إلاَّ أنَّ هذا الذي نصبوه دليلاً لا دليل فيه لاحتمال أن يكون من باب العطف على الاسم تقديره : إنما هي ضَرْبَة فَحَطمح كقوله :[ الوافر ]
٧٦٢ لَلُبْسُ عَبَاءَةٍ وَتَقرَّ عَيْنِي | أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ لُبْسِ الشُّفُوفِ |
فصل في تحرير كلمة كن
قال ابن الخطيب : أعلم أن ليس المراد من قوله تعالى :﴿ فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ﴾ هو أنه تعالى يقول له :« كُنْ »، فحينئذ يتكون ذلك الشيء، فإن ذلك فاسد، والذي يدل عليه وجوه :
الأول : أن قوله تعالى :« كُنْ » ما أن يكون قديماً أو محدثاً، والقسمان فاسدان، فبطل القول بتوقّف حدوث الأشياء على « كُنْ » إنما قلنا إنه لا يجوز أن يكون قديماً لوجوه :
الأول : أن كلمة « كُنْ » لفظة مركّبة من الكاف والنون بشرط تقدّم الكاف على النون فالنون لكونه مسبوقاً بالكاف لا بد وأن يكون محدثاُ، والكاف لكونه متقدماً على المحدث بزمان واحد، يجب أن يكون محدثاً.
الثاني : أن كلمة « إذا » لا تدخل إلا على الاستقبال، فذلك القضاء لا بد وأن يكون محدثاً؛ لأنه دخل عليه حرف إذا وقوله :« كُنْ » مرتّب على القضاء ب « فاء » التعقيب؛ لأنه قال :﴿ فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ﴾ والمتأخر عن المحدث محدث، فاستحال أن يكون « كُنْ » قديماً.
الثالث : أنه تعالى رتّب تكوين المخلوق على قوله :« كُنْ » ب « فاء » التعقيب، فيكون قوله :« كُنْ » مقدماً على تكوين المخلوق بزمان واحد، والمتقدم على المحدث بزمان واحد لا بد وأن يكون محدثاً، فقوله :« كُنْ » لا يجوز أن يكون قديماًن ولا جائز أيضاً أن يكن قوله :« كُنْ » محدثاُ؛ لأنه لو افتقر كل محدث إلى قوله :« كُنْ »، وقوله « كُنْ » أيضاً محدث، فيلزم افتقار « كُنْ » إلى « كُنْ » آخر، ويلزم التسلسل والدور، وهما مُحَالان، فثبت بهذا الدليل أنه لا يجوز توقّف إحداث الحوادث على قوله :« كُنْ » وأن قوله :« كن » إن [ كان ] خطاباً له حال وجوده، فتحصيل للحاصل، قاله أبو الحسن الماوردي.