قال القرطبي رحمه الله : والجواب من ثلاثة أوجه :
الأول : أنه خبر من الله تعالى عن نفوذ أوامره في خلقه، كما في بني إسرائيل أن يكونوا قِرَدَةً خاسئين، ولا يكون هذا في إيجاد المعدومات.
الثاني : أن الله تعالى علام بما هو كائن قبل كونهن فكانت الأشياء التي لم تكن كائنة لعلمه بها قبل كونها مشابهة للتي هي موجودة، فجاز أن يقول لها : كوني، وبأمرها بالخروج من حال العدم إلى ح ال الوجودح لتصير جميعها له، ولعلمه بها في حال العدم.
الثالث : أن ذلك خبر من الله تعالى عام عن جميع ما يحدث ويكوِّنهن إذا أراد خلقه وإنشاءه كان ووجد من غير أن يكون هناك قول يقوله، وإنما هو قضاء يريده، فعبر عنه بالقول وإن لم يكن قولاً، كقول أبي النَّجْم :[ الرجز ]
٧٦٣ إذْ قَالَتِ الأَنْسَاعُ لِلْبَطْنِ الحَقِي | ولا قول هناك، وإنما أراد أن الظهر قد لحق بالبطن. |
٧٦٤ فَأَصْبَحْتُ مِثْلَ النَّسْرِ طَارَتْ فِرَاخُهُ... إِذَا رَامَ تَطْيَراً يُقَالُ لَهُ : قَعِ
وقال الآخر :[ الرجز ]
٧٦٥ قَالَتْ جَنَاحَاهُ لِسَاقَيْهِ الحَقَا | وَنَجِّيَا لَحْمَيْكُمَا أَنْ يُمْرَقَا |
والثاني أيضاً باطل؛ لأنه يرجع حاصله إلى أنه تعالى أمر الموجود بأن يصير موجوداً، وذلك أيضاً لا فائدة فيه.
الحجة الثالثة : أن المخلوق قد يكون جماداً، وتكليف الجماد عبثن ولا يليق بَالحكيم.
الحجة الرابعة : أن القادر هو الذي يصحّ منه الفعل وتركه بحسب الإيرادات، فإذا فرضنا القادر المريد منفكاً عن وقله :« كُنْ » فإما أن يتمكّن من الإيجادج والإحداث، أو لا يتمكّن، فإن تمكن لم يكن الإيحاد موقوفاً على قوله « كن »، وإن لم يتمكن فحينئذ يلزم ألاَّ يكون القادر قادراً على الفعل إلا عند تكلمه ب « كن » فيرجع حاصل الأمر إلى أنكم سمّيتم القادرة ب « كن » وذلك نزاع لفظي.
الحجة الخامسة : أن « كُنْ » كلمة لو كان لها أثر في التكوين لكنا إذا تكلمنا بهذه الكلمة وجب أن يكون لها ذلك التأثير ولما علمنا بالضرورة فساد ذلك علمنا أنه لا تأثر لهذه الكلمة.
الحجة السادسة : أن لفظة « كُنْ » ككلمة مركبة من الكاف والنون، بشرط كون الكاف متقدماً على النونن فالمؤثر إما أن يكون هو أحد هذين الحرفين أو مجموعهما؛ فإن كان الا ل لم يكن لكلمة « كُنْ » أثر البتة بل التأثير لأحد هذه الحرفينن وإن كان الثَاني فهو مُحَال؛ لأنه لا وجود لهذا المجموع ألبتة؛ لأنه حين حصل الحرف الأول لم يكن الثَّاني حاصلاًُ، حين جاء الثَّاني فقد فات الأولن وإن لم يكن للمجموع وجود ألبتة استحال أن يكون للمجموع أثر ألبتة.