الحجة السابعة : قوله تعالى :﴿ إِنَّ مَثَلَ عيسى عِندَ الله كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثِمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ ﴾ [ آل عمران : ٥٩ ] بين أن قوله « كُنْ » متأخر عن خلقه، إذ المتأخر عن الشَّيء لا يكون مؤثراً في المتقدم عليه، فعلمنا أنه لا تأثير لقوله :« كُنْ » في وجود الشيء، فظهر بذه الوجوه فساد هذا المذهب، فإذا ثبت هذا فنقول : لا بد من التأويل وهو من وجوه :
الأول : أن المراد من هذه الكلمة سرعة نفاذ قدرة الله في تكوين الأشياء، وأنه تعالى يخلق الأشياء لا بفكرة ومعاناة وتجربة.
الثاني : قال أبو الهُذَيل : إنه علامة يفعلها الله تعالى للملائكة إذا سمعوها علما أنه أحدث أمراً.
الثالث : قال الاصم : إنه خاصٌّ بالموجودين الذين قال لهم :﴿ كُونُواْ قِرَدَةً خَاسِئِينَ ﴾ [ البقرة : ٦٥ ]، من جرى مجراهم.
الرابع : أنه أمر للأحياء بالموت، وللموتى بالحياة. والكل ضعيف، والقوي هو الأول.
وقال القرطبي رحمه الله : التكوين مع الأمر لا يتقدم الموجود، ولا يتأخر عنه، فلا يكون الشيء مأموراً بالوجود إلاّ وهو موجود بالأمر، ولا موجود إلا وهو مأمور بالوجودن ونظيره قيام الناس من قبورهم لا يتقدم دعاء الله تعالى ولا يتأخر عنه كما قال تعالى :﴿ ثُمَّ إِذَا دَعَاكُمْ دَعْوَةً مِّنَ الأرض إِذَآ أَنتُمْ تَخْرُجُونَ ﴾ [ الروم : ٢٥ ].
قال القرطبي رحمه الله تعالى : وتلخيص المعتقد في هذه الآية : أن الله تعالى لم يزل آمراً للمعومات بشرط وجودها، قادراً مع تأخّر المقدورات، عالماً مع تأخر المعلومات، فكل ما في الآية يقتضي الاستقبال، فهو بحسب المأمورات؛ إذ المحدَثَات تجيء بعد أن لم تكن. كل ما يسند إلى الله تعالى من قدرة وعلم، فهو قديم لم يزل ولمعنى الذي تقتضيه عبارة « كُنْ؛ هو قديم قائم بالذات.