قوله تعالى :« هو » يجوز في « هو » أن يكون فصلاً أو مبتدأ، وما بعده خبره، ولا يجوز أن يكون بدلاً من « هُدَى اللهِ » لمجيئه بصيغة الرفع.
وأجاز أبو البقاء رحمه الله تعالى فيه أن يكون توكيداً لاسم « إن »، وهذا لا يجوز فإن المضمر لا يؤكّد المظهر.
قوله :« وَلَئِنْ اتَّبَعْتَ » هذه تسمى « اللام » الموطِّئَة للقسم، وعلامتها أن تقع قبل أدوات الشرط، وأكثر مجيئها مع « إن » وقد تأتي مع غيرها نحو :﴿ لَمَآ آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ ﴾ [ آل عمران : ٨١ ]، ﴿ لَّمَن تَبِعَكَ مِنْهُمْ ﴾ ﴿ مَا لَكَ مِنَ الله مِن وَلِيٍّ ﴾ وحذف جواب الشَّرْط، ولو أجيب الشرط لوجبت « الفاء » وقد تحذف هذه « اللاَّم » ويعمل بمقتضاها، فيجاب القسم نحو قوله تعالى :﴿ وَإِن لَّمْ يَنتَهُواْ عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ ﴾ [ المائدة : ٧٣ ].
والأهواء جمع هوى، كما تقول :« جمل وأجمال »، ولما كانت مختلفة جمعت، ولو حمل على أفراد الملة لقال : هواهم. قوله :« مِن العِلْمِ » في محلّ نصب على الحال من فاعل « جَاءَكَ » و « مِن » للتبعيض، أي جاءك حال كونه بعَ العلم.

فصل في المراد بهذا الخطاب


قيل : المراد بهذا الخطاب الأمة كقوله تعالى :﴿ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ ﴾ [ الزمر : ٦٥ ]، فالخطاب مع الرسول ﷺ والمراد الأمة. ﴿ بَعْدَ الذي جَآءَكَ مِنَ العلم ﴾ البيان بأن دين الله هو الإسلام، والقبلة قبلة إبراهيم ﷺ وهي الكَعْبَةٌ.
﴿ مَا لَكَ مِنَ الله مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ ﴾ أي معين يعصمك ويذبّ عنك.

فصل فيما تدل عليه الآية


قالوا : الآية تدلّ على أمور : منها أن الذي علم الله منه أنه لا يفعل الشيء يجوز منه أن يتوعده على فعله.
وثانيها : أنه لا يجوز الوعيد إلا بعد نصب الأدلّة، ويبطل القول بالتقليد.
وثالثها : أن اتباع الهَوَى لا يكون إلا باطلاً فمن هذا الوجه يدلّ على بطلان التقليد.
ورابعها : سئل الإمام أحمد رحمه الله عمن يقول : القرآن مخلوق، فقال : كافر.
فقيل : بم كفرته؟ فقال : بآية من كتاب الله، تعالى، ﴿ وَلَئِنِ اتبعت أَهْوَاءَهُم مِّن بَعْدِ مَا جَآءَكَ مِنَ العلم ﴾ [ البقرة : ١٤٥ ] فالقرآن من علم الله تعالى، فمن زعم أنه مخلوق فقد كفر.


الصفحة التالية
Icon