قوله تعالى :﴿ الذين آتَيْنَاهُمُ الكتاب ﴾ رفع بالابتداء، وفي خبره وجهان :
أحدهما :« يَتْلُونَهُ »، وتكون الجملة من قوله :« أولئِكَ يُؤْمِنُونَ » : إما مستأنفة وهو الصحيح.
وإما حالاً على قول ضعيف مثله أو السورة.
والثاني : أن الخبر هو الجملة من قوله :« أولئِكَ يُؤْمِنُونَ ».
ويكون « يَتْلُونَهُ » و تكون الجملة في محلّ نصب على الحال إما من المفعول في « آتْنَاهُمْ » وإما من الكتاب، وعلى كلا القولين فهي حال مقدرة؛ لأن وقت الإيتاء لم يكونوا تالين، ولا كان الكتاب متلوًّا.
وجوز الحوفي أن يكون « يتلونه » خبراً، و « أولَئِكَ يُؤْمِنُونَ » خبراً بعد خبر، قال : مثل قولهم :« هذا حلو حامض » كأنه يريد جعل الخبرين في معنى واحد، هذا إن أريد ب « الذين » قوم مخصوصون.
وإن أريد بهم العموم، كان « أولئِكَ يُؤْمِنُونَ » الخبر.
قال جماعة منهم ابن عطية رحمه الله وغيره و « يَتْلُونَهُ » حالاً يستغنى عنها، وفيها الفائدة.
وقال أيضاً أبو البقاء : ولا يجوز أن يكون « يَتْلُونَهُ » خبراً؛ لئلا يلزم منه أنّ كل مؤمن يتلو الكتاب حَقَّ تلاوته بأي تفسير فسرت التلاوة قال أبو حيان : ونقول : ما لزم من الامتناع مِنْ جَعْلِهَا خبراً يلزم من جعلها حالاً؛ لأنه ليس كل مؤمن على حال التلاوة بأي تفسير فسرت التلاوة.
قوله تعالى :« حَقَّ تِلاَوَتِهِ » فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : أنه نصب على المصدر وأصله :« تلاوةً حقًّا » ثم قدم الوصف، وأضيف إلى المصدر، وصار نظير « ضربت شديد الضرب » أي : ضَرْباً شديداً. فلما قدم وصف المصدر نصب نصبه.
الثاني : أنه حال من فاعل « يَتْلُونَهُ » أي : يتلونه محقين.
الثالث : أنه نعت مصدر محذوف.
وقال ابن عطية : و « حَقَّ » مصدر، والعامل فيه فعل مضمرن وهو بمعنى « أفعل »، ولا تجوز إضافته إلى واحد معرف، إنما جازت هنا؛ لأن تَعَرُّفَ التلاوة بإضافتها إلى الضمير ليس بتعرف محض، وإنما هو بمنزلة قولهم : رجل وَاحِدُ أُمِّه وَسِيجُ واحده يعني : أنه في قوة « أفعل » التفضيل بمعنى أحقّ التلاوة، وكأنه يرى أن إضافة « أفعل » غير محضة، و لاحاجة إلى تقدير عامل فيه؛ لأن ما قبله يطلبه. والضمير في « به » فيه أربعة أقوال :
أحدهما وهو الظاهر : عوده على الكتاب.
الثاني : عوده على الرسول، قالوا :« ولم يَجْرِ له ذكر لكنه معلوم »، ولا حاجة إلى هذا الاعتذار، فإنه مذكور في قوله :﴿ أَرْسَلْنَاكَ ﴾ [ البقرة : ١١٩ ]، غلا أن فيه التفاتاً من خطاب إلى غيبة.


الصفحة التالية
Icon