الثالث : أنه يعود على الله تعالى، وفيه التفات أيضاً من ضيمر المتكلّم المعظم في قوله :« أَرْسَلْنَاكَ » إلى الغيبة.
الرابع : قال ابن عطية : إنه يعود على « الهدى » وقرره بكلام حسن.

فصل فيمن نزلت فيهم هذه الآية


قال ابن عباس : نزلت هذه الآية في أهل السَّفينة الذين كانوا مع جفعر بن أبي طالب، وكانوا أربعين رجلاً اثنان وثلاثون من « الحبشة » وثمانية من رهبان « الشام » منهم بحيرى.
وقال الضحاك : هو من آمن من اليهود : عبدالله بن سلام، وشعبة بن عمرو، وتمام ابن يهوذا، وأسيد وأسد ابنا كعب وابن تامين، وعبدالله بن صوريا. دليل هذين التأويلين تقدم ذكر الكتاب.
وقال قتادة وعكرمة : هم المؤمنون عامة لقوله :﴿ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاَوَتِهِ ﴾ هذا حثّ وترغيب في تلاوة هذا الكتاب، وهذا شأن القرآن؛ لأن التوراة والإنجيل لا يجوز قراءتهما، وأيضاً قوله :﴿ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمن يَكْفُرْ بِهِ فأولئك هُمُ الخاسرون ﴾ وهذا الوصف لا يليق إلا بالقرآن.
والتلاوة لها معنيان :
أحدهما : الاتباع فعلاً؛ لأن من اتبع غيره يقال : تلاه فعلاً، قال تعالى :﴿ والقمر إِذَا تَلاَهَا ﴾ [ الشمس : ٢ ].
والثاني : القراءة.
وفي حق التلاوة وجوه :
أحدها : أنهم يدبّروه، فعلموا بموجبه [ حتى تمسّكوا بأحكامه من حلال وحرام وغيرهما ].
وثانيها : أنهم خضعوا عند تلاوته.
وثالثها : أنهم عملوا بمحكمه، وآمنوا بمتشابهه، وتوقفوا فيما أشكل عليهم منه، وفوضوه إلى الله تعالى.
ورابعها : يقرءونه كما أنزل الهل، ولا يحرفونه، ولا يتأولونه على غير حق.
وخامسها : روي عن عمر رضي الله عنه هم الذين إذا مروا بآية رحمة سألوا، وإذا مروا بآية عذاب استعاذوا.
وسادسها : المراد أن تحمل الآية على كل هذه الوجوه؛ لأنها مشتركة في مفهوم واحد، وهو تعظيمها، والانقياد لها.


الصفحة التالية
Icon