وأجاب القاضي : بأنه يحتمل أنه تعالى أوحى إليه على لسان جبريل ﷺ بهذه التكاليف، فلما تمّم ذلك جعله نبيّاً مبعوثاً إلى الخلق.
إذا عرفت هذا فنقول : قال القاضي : يجوز أن يكون المراد بالكلمات ما ذكر الحَسَن من أمر الكواكب والشمس والقمر، فإنه ﷺ ابْتُلِيَ بذلك قبل النبوة.
وأما ذبح الولد والهجرة والنار، وكذا الخِتان، فكل ذلك بعد النبوة.
يروى أنه ﷺ ختن نفسه، وكان سنه مائة وعشرين سنة.
ثم قال : فإن قامت الدلالة السمعية القاهرة على أن المراد من الكلمات هذه الأشياء كان المراد من قوله :« أَتَمَّهُنَّ » أنه سبحانه علم من حاله أنه يتمهن، ويقوم بهن بعد النبوةن فلا جَرَمَ أعطاه خلعة الإمامة والنبوة.
فصل
قال القرطبي رحمه الله روى في الموطأ عن يحيى بن سعيد أنه سمع سعيد بن المسيب، يقول : إبراهيم عليه السلام أول من اختتن، وأول من أضاف اضيف، وأول من استحدّ، وأول من قلّم الأظافر، وأول من قَصَّ الشارب، وأول من شاب، فلما رأى الشيب قال : ما هذا؟ قال : وقار، قال : يا رب زدني وقاراً.
وذكر أبو بكر بن أبي شيبة عن سعيد بن إبراهيم عن أبيه قال : أول من خطب على المنابر إبراهيم خليل الله.
قال غيره : وأول من ثَرَدَ الثَّرِيدَ، وأول من ضرب بالسيف، وأول من اسْتَاك، وأول من استنجى بالماء، وأول من لبس السراويل.
قوله :« قَالَ إِنِّي » هذه الجملة القولية يجز أن تكون معطوفة على ما قبلها، إذا قلنا بأنها عاملة في « إذْ » ؛ [ لأن التقدير : وقال أِنِّي جاعلك إذ ابتلى، ويجوز أن تكون استئنافاً إذا قلنا : إن العامل في « إذْ » مضمر ]، كأنه قيل : فماذا قال له ربه حين أتم الكلمات؟ فقيل : قال : إنِّي جَاعِلُكَ.
ويجز فيها أيضاً على هذا القول أن تكون بياناً لقوله :« ابْتَلَى » وتفسيبراً له، فيراد بالكلمات ما ذكره من الإمامة، وتطهير البيت، ورفع القواعد، وما بعدها، نقل ذلك الزمخشري.
قوله :« جَاعِلُكَ » هو اسم فاعل من « جَعَلَ » بمعنى « صَيَّرَ » فيتعدّى لاثنين :
أحدهما :« الكاف »، وفيها الخلاف المشهور هل هي في محلّ نصب أو جر؟
وذلك أن الضمير المتصل باسم الفاعل فيه ثلاثة أقوال :
أحدها : أنه في محل جر بالإضافة.
والثاني : أنه في محل نصب، وإنما حذف التنوين لشدة اتّصال الضمير، قالوا : ويدلّ على ذلك وجوده في الضرورة؛ كقولهم :[ الوافر ]
٧٧٤ فَمَا أَدْرِ وَظَنِّي كُلَّ ظَنِّ | أَمُسْلِمُنِي إِلَى قَوْمِي شَرَاحِي |
٧٧٥ هُمُ الْفَاعِلُونَ الْخَيْرَ وَالآمِرُونَهُ | .......................... |