وإن كانت من الذر ففي وزنها أيضاً أربعة أوجه :
أحدها : فَعْلِيَّة، والياء أيضاً تحتمل أن تكون للنسب، ولم يَشِذُّوا فيه بتغيير كما شذّوا في الضم والكسر وألاّ يكون نحو : بَرْنية.
الثاني : فَعُّولة ك « خَرُّوبة » والاصل ذَرُّوْرَة.
الثالث : فَعَّيلَة ك « سكينة » والأصل : ذريرة.
الرابع : فَعْلُولة ك « بكُّولة »، والأصل ذرورة أيضاً، ففعل به ما تقدم في نظيره من إبدال الراء الأخير، وإدغام ما قبلها وكسرت الذال إتباعاً، وبهذا الضبط الذي فعلته اتضح القول في هذه اللفظة.
فصل في معنى الذّرية
النسل يقعل على الذكور والإناث، والجمع الذراري.
وزعم بعضهم أنها تقع على الآباء كوقوعها على الأبناء مستدلاًّ بقوله تعالى :﴿ وَآيَةٌ لَّهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الفلك المشحون ﴾ [ يس : ٤١ ] يعنى : نوحاً ﷺ ومن معه، وسيأتي في موضعه إن شاء الله تعالى.
فصل
هل كان إبراهيم عليه السَّلام مأذوناً له في قوله تعالى :« ومن ذرّيتي » أو لم يكن مأذوناً فيه؟ فإن أذن الله تعالى في هذا الدعاء فلم ردّ دعاءه؟ وإن لم يأذن له فيه كان ذنباً.
قلنا : قوله :« ومن ذرّيتي » يدلّ على أنه ﷺ طلب أن يكون بَعْضُ ذريته أئمة، وقد حقق الله تعالى إجابة دُعَاءه في المؤمنين من ذريته ك « إسماعيل »، و « يعقوب »، و « يوسف »، و « موسى »، و « هارون » و « داود »، و « سليمان »، و « أيّوب » و « يونس »، و « زكريا »، و « يحيى » و « عيسى »، عليهم السلام وجعل آخرهم نبينا صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين من ذرّيته الذي هو أفضل الخلق عليه وعليهم أفضل الصلاة والسلام.
قوله تعالى :﴿ قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظالمين ﴾.
الجمهور على نَصْب « الظَّالمِينَ » مفعولاً، و « عَهْدِي » فاعل، اي : لا يصل عهدي إلى الظالمين فيدركهم.
وقرأ قتادة، والأعمش، وأبو رجاء :« الظَّالِمُونَ » بالفاعلية، و « عَهْدِي » مفعول به، والقراءتان ظاهرتان؛ إذ الفعل يصحّ نسبته إلى كل منهما، فإن من نالك فقد نِلْته.
والنَّيْل : الإدراك، وهو العطاء أيضاً، نال يَنَال نيلاً فهو نائل، وقرأ حمزة وحفص بإسكان الياء من :« عَهْدِيْ »، الباقون بفتحها.
فصل في تحرير معنى العهد
اختلفوا في العَهْدِ، فقيل : الإمامة.
وقال السدي : النبوة، وهو قول ابن عباس.
وقال عطاءك رحمتي.
وقيل : عهده أمره، ويطلق على الأمر، مقال سبحانه وتعالى :﴿ إِنَّ الله عَهِدَ إِلَيْنَا ﴾