قوله :« مُصَلَّى » مفعلو « اتَّخِذُوا »، وهو هنا اسم مكان أيضاً، وجاء في التفسير بعنى قبله.
وقيل : هو مصدر، فلا بد من حذف مضاف أي : مكان صلاة، وألفه منقلبة عن واو، والأصل :« مُصَلَّو » ؛ لأن الصلاة من ذوات « الواو » كما تقدم أول الكتاب.

فصل في المقصود بالمقام


اختلفوا في « المقام » فقال الحسن والربيع بن أنس وقتادة : هو موضع الحجر الذي وضعته زوجة إسماعيل تحت قدم إبراهيم ﷺ حين غسلت رأسه، فوضع إبراهيم عليه السلام رجله عليه، وهو راكب فغسلت أحد شقّي رأسه، ثم رفعته من تحته، وقد غاصت رجله في الحَجر، فوضته تحت الرجل الآخرى، فغاصت رجله أيضاً فيه، فجعله الله تعالى من معجزاته يروى أنه كان موضع أصابع رجليه بيِّناً فاندرس من كثرة المسح بالأيدي، وروى سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهم أن إبراهيم عليه السلام كان يبني البيت وإسماعيل يناوله الحجارة ويقولان :﴿ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّآ إِنَّكَ أَنتَ السميع العليم ﴾ [ البقرة : ١٢٧ ] فلما ارتفع البنيان وضعف إبراهيم ﷺ عن وضع الحجارة قام على حجر وهو مقام إبراهيم عليه السلام، وقال مجاهد رحمه الله وإبراهيم النخعي رضي الله عنه :« مقام إبراهيم الحرم كله » وقال يمان : المسجد كله مقام إبراهيم ﷺ.
[ وقال عطاءك إنه عرفة والمزدلفة والجمار، وقال ابن عباس :« الحج كله مقام إبراهيم ].
واتفق المحققون على أن القول الأول أولى لما روى جابر رحمة الله عليه أنه عليه الصَّلاة والسلام لما فرغ من الطواف أتى المقام، وتلا قوله تعالى :﴿ واتخذوا مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى ﴾.
وروي أنه ﷺ مرّ بالمقام، ومعه عمر رضي الل عنه فقال : يا رسول الله لو اتخذت من مقام إبراهيم مصلى، فلم تغب الشمس من فوقهم حتى نزلت الآية، وقال تعالى :﴿ واتخذوا مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى ﴾.
وليس للصلاة تعلق بالحرم، ولا بسائر المواضع إلا بهذا الموضع، فيكون مقام إبراهيم هو هذا، ولو سأل أهل »
مكّة « عن مقام إبراهيم لم يجبه أحد، ولم يفهم منه إلا هذا الموضع لما روي أن الحجر صار تحت قدميه في رُطُوبة الطّين حتى غاصت فيه رِجْلا إبراهيم ﷺ، وذلك من أظهر الدلائل على وَحْدَانية الله تعالى ومعجزة إبراهيم عليه السلام، فكان اختصاصه بإبراهيم أولى من اختصاص غيره، وثبت في الأخبار أنه قام على هذا الحجر عند المغتسل، ولم يثبت قيامه على غيره، فحمل هذا اللفظ، أعنى : مقام إبراهيم عليه السلام على الحجر يكون أولى.
قال القَفَّال : ومن فسر »
مقام إبراهيم « بالحجر خرج قوله تعالى :﴿ واتخذوا مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى ﴾ على مجاز قول الرجل : اتخذت من فلان صديقاً، وقد أعطاني الله من فلان أخاً صالحاً، وإنما تدخل » من « لبيان المتخذ الموصوف، ويميزه في ذلك المعنى من غيره.


الصفحة التالية
Icon