فصل في تحرير معنى المُصَلّى


اختلفوا في « المُصَلّى ».
فقال مجاهد رحمه الله تعالى :« هو الدعاء »، قال تعالى :﴿ ياأيها الذين آمَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلِّمُواْ تَسْلِيماً ﴾ [ الأحزاب : ٥٦ ] وإنما ذهب إلى هذا التأويل ليتم له قوله : إن الحرم كله مقام إبراهيم.
وقال الحسن رضي الله عنه : أراد به قبلة إبراهيم.
وقال قتادة والسّدي : أمروا أن يصلوا عنده، وهذا القول أولى؛ لأن لفظ « الصَّلاة » إذا أطلق يعقل منه الصَّلاة الشَّرعية وقال ﷺ لأسامة بن زيد المصلى أمامك يعني به موضع الصلاة. وصلَّى النبي ﷺ وعلى آله وسلم وشرف وكرم وبجل وعظم عنده بعد تلاوة الآية. وهاهنا بحثان وهو أن ركعتي الطواف هل هي فرض أو سنة فإن كان الطواف فرضاً فعن الشافعي رحمه الله قولان :
أحدهما : أنهما فرض؛ لهذه الآية، فإن الأمر للوجوب.
والثاني : أنهما سنة؛ لقول النبي ﷺ للأعرابي حين سأله هل عليَّ غيرها؟ قال لا إلاَّ أن تطوع، وإن كان الطواف سنة فهما سنة.

فصل في الكلام على البيت المعمور


روي عن علي رضي الله تعالى عنه قال : البيت المعمور بيت في السماء يقال له الضراح، وهو بجال الكعبة من فوقها، حرمته في السَّماء كحرمة البيت في الأرض، يصلي فيه كل يوم سبعون ألفاً من الملائكة لا يعودون فيه أبداً.
وذكر علي رضي الله تعالى عنه أنه مر عليه الدهر بعد بناء إبراهيم، فانهدم فبنته العَمَالقة، ومر عليه الدهر فانهدم، فبنته جُرْهم، ومر عليه الدهر فانهدم، بنته قريش ورسول الله ﷺ يومئذ شابّ، فلما أرادوا أن يرفعوا الحجر الأسود اختصموا فيه، فقالوا : يحكم بيننا أول رجل يخرج من هذه السّكة، وكان رسول الله ﷺ أول من خرج عليهم، فقضى بينهم أن يجعلوا الحجر في مِرْطٍ، ثم ترفعه جميعُ القبائل، فرفعوه كلهم فأخذه رسول الله ﷺ ووضعه.
وعن الزهري قال : بلغني أنهم وجدوا في مقام إبراهيم ﷺ ثلاثة صفوح في كل صفح كتاب.
في الصفح الأول : أنا الله ذو بَكَّة صنعتها يوم صنعت الشمس والقمر، وحففتها بسبعة أملاك حفًّان وباركت لأهلها في اللحم واللبن.
وفي الصفح الثاني : أنا الله ذو بَكَّة خلقت الرحم، وشققت لها اسماً من اسمي من وصلها وصلته، ومن قطعها قطتعه.
وفي الثالث : أنا الله ذو بكَّة خلقت الخير والشرّ، فطوبى لمن كان الخير على يديه، وويل لمن كان الشر على يديه.


الصفحة التالية
Icon