فصل في أنه متى صارت مكة آمنة؟


اختلفوا هل كانت مكة آمنة محرمة قبل دعوة إبراهيم ﷺ، أو إنما صارت كذلك بدعوته؟
فقالوا : إنها كانت كذلك أبداً لقوله ﷺ :« إنَّ اللهَ حَرَّمَ مَكَّة يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ والأَرْضَ ».
قال إبراهيم ﷺ :﴿ رَّبَّنَآ إني أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ المحرم ﴾ [ إبراهيم : ٣٧ ] وهذا يقتضي أنها كان محرمة قبل ذلك، ثم إن إبراهيم ﷺ أكّده بهذا الدعاء.
وقيل : إنها إنوما صارت حرماً آمناً بدعاء إبراهيم ﷺ وقبله كانت كسائر البَلَدِ، الدليل عليه قوله عليه السلام :« اللَّهُمَّ إِنِّي حَرَّمْتُ المَدِينْةَ كَمَّا حَرَّمَ إِبْرَاهِيْمُ مَكَّة ».
وقيل : كانت حراماً قبل الدعوة بوجه غير الوجه الذي صارت به حراماً بعد الدعوة.
قوله :« مَنْ آمَنَ » بدل بعض من كلّ، [ وهو « أَهْلَهُ » ] ولذلك عاد فيه ضميره على المبدل منه، و « من » في « مِنَ الثَّمَرَاتِ » للتبعيض.
وقيل : للبيان، وليس بشيء، إذ لم يتقدّم مبهم يبين بها.

فصل في تخصيص المؤمنين بهذا الدَّعاء


إنما خصَّ المؤمنين بهذا الدعاء لوجيهن :
الاولك أنه لما سأل الله تعالى فصار ذلك [ تأديباً ] في المسألة، فلما ميّز الله تعالى المؤمنين عن الكافرين في باب الإمامة : خصّص المؤمنين بهذا الدُّعاء دون الكفارين.
الثاني : يحتمل إن إبراهيم ﷺ قوي في ظنه أنه إن دعا للكلّ كثر في البلد الكفار، فيكون في كثرتهم مفسدة ومضرّة في ذهاب الناس إلى الحَجّ، فخصّ المؤمنين بالدعاء لهذا السبب.
قوله :{ وَمَن كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ ] يجوز في « من » ثلاثة أوجه.
أحدها : أن تكون موصولة، وفي محلّها وجهان :
أحدهما : أنها في محلّ نصب بفعل محذوف تقديره، قال الله : وأرزق من كفر، ويكون « فأمتعه » معطوفاً على هذا الفعل المقدر.
والثاني :[ من الوجهين ] : أن يكون في محلّ رفع بالابتداء، و « فأمتعه » الخبر، دخلت الفاء في الخبر تشبيهاً له بالشرط.
وسيأتي أن أبا البقاء يمنع هذا، والرد عليه.
الثَّاني من الثلاثة الأوجه : أن تكون نكرة موصوفة ذكره أبو البقاء، والحكم فيها ما تقدّم من كونها في محلّ نصب أو رفع.
الثالث : أن تكون شرطية، ومحلّلها الرفع على الابتداء فقط، و « فَأُمتِّعُهُ » جواب الشرط.
ولا يجوز في « من » في جميع وجوهها أن تكون منصوبةً على الاشتغال.
أما إذا كانت شرطاً فظاهر لأن الشرطية إنما يفسر عاملها فعل الشرط لا الجزاء، وفعل الشرط عنا غير ناصب لضميرها بل رافعة.


الصفحة التالية
Icon