فصل في بيان تصديق قول المرأة في انقضاء عدتها


اعلم أن انقضاء العدَّة لما كان مبنياً على انقضاء الأقراء في حقِّ ذوات الأقراء، وكان علم ذلك متعذِّرٌ على الرِّجال، جعلت المرأة أمينة على العدَّة، وجعل القول قولها إذا ادَّعت انقضاء أقرائها في مدَّة يمكن ذلك فيها، وهو على مذهب الشَّافعيّ اثنان وثلاثون يوماً وساعة؛ لأن أمرها يحمل على أنَّها طلِّقت طاهرة، فحاضت بعد ساعةٍ يوماً وليلة، وهو أقلُّ الحيض، ثم طهرت خَمْسَةنَ عَشَر يوماً، وهو أقَلُّ الطُّهْر، ثم حاضَت يوماً وليلةً، ثم طَهُرَت خَمْسَة عَشَر يَوْماً، ثم رَأَتِ الدَّمَ، فقد انْقَضَت عِدَّتُها؛ لحصول ثلاثة أطهارٍ فمتى ادَّعت هذا أو أكثر منه، قبل قولها، وكذلك إن كانت حاملاً فادَّعت أنها أسقطت فالقول قولها؛ لأنها أمينة عليه.

فصل في المراد بالكتمان


قال القرطبي : ومعنى النَّهي عن الكتمان : النَّهي عن الإضرار بالزَّوجِ وإذهاب حقِّه، فإذا قالت المطلَّقة : حضتُ وهي لم تحِض، ذهبت بحقِّه في الارتجاع، وإذا قالت : لم أَحِضْ وهي قد حَاضَتْ، ألْزَمَتْهُ من النَّفَقَةِ ما لم يَلْزَمه، فأضرَّت به، أو تقصد بكذبها في نفس الحيض ألاَّ ترجع حتى تنقضي العدَّة ويقطع الشَّرع حقَّه، وكذلك الحاملُ تكتم الحمل؛ لتقطع حقَّه في الارتجاع.
قال قتادة : كانت عادتهن في الجاهليَّة أن يكتمن الحمل ليلحقن الولد بالزَّوج الجديد؛ ففي ذلك نزلت الآية.

فصل


اختلف المفسِّرون في قوله :﴿ مَا خَلَقَ الله في أَرْحَامِهِنَّ ﴾ :
فقيل : هو الحَبَلُ والحَيْضُ معاً، وذلك لأنَّ المَرْأة لَهَا أغْرَاض كَثِيرة في كتمانها؛ أمّا الحبل؛ فإنه يكون غرضها فيه أنَّ انقضاء عدَّتها بالقروء؛ لأنه يكون أقلَّ زماناً من انقضاء عدَّتها يوضع الحمل، فإذا كتمت الحمل، قصرت مدّة عدَّتها فتتزوَّج بسرعة وربما كرهت مراجعة الزَّوج، وربما أحبَّت التَّزويج بزوج آخر، أو أحبَّت أن تلحق ولدها بالزَّوج الثَّاني، فلهذه الأغراض تكتم الحمل، وأما كتمان الحيض، فقد يكون غرضها إذا كانت من ذوات الأقراء أن تطول عدَّتها لكي يراجعها الزَّوج، وقد تحبُّ تقصير عدَّتها لتبطل رجعته ولا يتمُّ لها ذلك إلاَّ بكتمان بعض الحيض في بعض الأوقات، فوجب حمل النَّهي على مجموع الأمرين.
وقال ابن عبَّاسٍ وقتادة : هو الحيض فقط؛ لقوله تعالى :﴿ هُوَ الذي يُصَوِّرُكُمْ فِي الأرحام ﴾ [ آل عمران : ٦ ]، ولأن الحيض خارجٌ عن الرَّحم لا مخلوقٌ فيه، وحمل قوله - تعالى - :﴿ مَا خَلَقَ الله في أَرْحَامِهِنَّ ﴾ على الولد الذي هو شريف، أولى من حمله على شيءٍ قَذِرٍ خسيسٍ.
وأجيب بأن المقصود منعها عن إخفاء هذه الأحوال الَّتي لا اطِّلاع لغيرها عليها، وبسببها يختلف الحلُّ والحرمة في النِّكاح، فوجب حمل اللَّفظ على الكلِّ، وقيل : هو الحيض؛ لأن هذا الكلام إنَّما ورد عقيب ذكر « الأَقْرَاءِ »، ولم يتقدَّم ذكر الحمل.


الصفحة التالية
Icon