الثاني : أنّ البعولة مصدر، يقال : بعل الرَّجُل يَبْعَل بُعُولَةً وبِعَالاً، إذا صَارَ بَعْلاً، وبَاعَل الرَّجُل امْرَأَتَهُ : إذا جَامَعَهَا؛ ومنه الحديث : أن النبيَّ - عليه الصَّلاة والسَّلام - قال في أيَّام التَّشريق :« إِنَّهَا أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ وَبِعَالٍ »، وامرأة حَسَنَةُ التَّبَعّل إذا كَانَت تُحْسِن عِشْرَةَ زَوْجِها، ومنه الحديث :« إِذَا أَحْسَنْتُنَّ تبعُّلَ أزواجكن ».
قوله :﴿ بِرَدِّهِنَّ ﴾ متعلِّقٌ ب « أَحَقّ ». وقوله « فِي ذَلِكَ » فيه وجهان :
أحدهما : أنه متعلّقٌ أيضاً ب « أَحَقّ »، ويكون المشار إليه بذلك على هذا وقت العدَّة، أي تستحقّ رجعتها ما دامت في العدَّة، وليس المعنى : أنه أحقُ أن يردَّها في العدَّة، وإنما يردُّها في النكاح، أو إلى النكاح.
والثاني : أن يتعلَّق بالردِّ، ويكون المشار إليه بذلك على هذا النِّكاح، قاله أبو البقاء.
والضمير في « بُعُولَتِهِنَّ » عائدٌ على بعض المطلَّقات، وهنَّ الرَّجعيَّات خاصَّةً، وقال أبو حيَّان :« والاولَى عندي : أن يكونَ على حَذْفِ مضافٍ دَلَّ عليه الحكم، أي : وبُعُولَةُ رَجْعِيَّاتِهِنَّ ».
ومعنى الردّ هنا : الرُّجوع؛ قال - تعالى - :﴿ وَلَئِن رُّدِدتُّ إلى رَبِّي ﴾ [ الكهف : ٣٦ ]، وقال في موضع آخر :﴿ وَلَئِن رُّجِّعْتُ ﴾ [ فصلت : ٥٠ ].
فإن قيل : ما معنى الرَّدّ في الرَّجعيَّة وهي زوجة، ما دامت في العِدَّة؟
فالجواب : أنّ الردّ والرَّجعة يتضمَّن إبطال التَّربُّص والتَّحرِّي في العدَّة، فإنَّها ما دامت في العدَّة، كأنَّها جارية إلى إبْطال حقِّ الزَّوج، وبالرَّجعة بطل ذلك فسمِّيت الرَّجعة ردّاً، لا سيَّما ومذهب الشَّافعيِّ أنه يحرم الاستمتاع بها إلاّ بعد الرَّجعة، فالردُّ على مذهبه فيه معنيان :
أحدهما : ردّها من التَّربُّص إلى خلافه.
والثاني : ردُّها من الحرمة إلى الحلِّ.
قوله :﴿ إِنْ أرادوا إِصْلاَحاً ﴾ فالمعنى : أن الأزواج أحقُّ بالمراجعة، إن أرادوا الإصلاح ولم يريدا المضارَّة؛ ونظيره قوله - تعالى - :﴿ وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النسآء فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلاَ تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَاراً لِّتَعْتَدُواْ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ ﴾ [ البقرة : ٢٣١ ].
والسَّبب في ذلك : أنَّ الرَّجل كان في الجاهليَّة يطلِّق امرأته، فإذا قرب انقضاء عدَّتها، راجعها ثم تركها مدَّة ثمَّ طلَّقها، فإذا قرب انقضاء عدَّتها، راجعها ثمَّ طلَّقها ثم بَعْدَ مدَّة طلقها يقصد بذلك تطويل عدَّتها، فنهوا عن ذلك، وجعل إرادة الإصلاح شرطاً في المراجعة.
فإن قيل : الشَّرط يقتضي انتفاء الحكم عند انتفائه، فيلزم إذا لم توجد إرادة الإصلاح ألاّ تصحّ الرَّجعة؟
فالجواب : أنّ الإرادة صفةٌ باطنةٌ لا اطِّلاع لنا عليها، والشَّرع لم يوقف صحَّة المراجعة عليها؛ بل جوازها فيما بينه وبين الله - تعالى - موقوف على هذه الإرادة، فإن راجعها لقصد المضارَّة، استحقَّ الإثم.
فصل
نقل القرطبي عن مالك، قال : إذا وطئ المعتدَّة الرَّجعيَّة في عدَّتها، وهو يريد الرَّجعة وجهل أن يُشهد، فهي رجعةٌ، وينبغي للمرأة أن تمنعه الوطء حتى يشهد؛ لقوله - عليه الصَّلاة والسَّلام - :