وقاله الزُّبير بن العوَّام، وعبد الرَّحمن بن عوف، قاله القرطبي. قوله :« أَنْ تَأْخُذُوا » :« أَنْ » وما في حَيِّزها في محلِّ رفعٍ على أنه فاعل « يَحِلُّ »، أي : ولا يَحِلُّ لكُم أَخْذُ شَيءٍ مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ. و « مِمَّا » فيه وجهان «. أحدهما : أن يتعلَّقَ بنفسِ » تَأْخُذُوا «، و » مِنْ « على هذا لابتداءِ الغاية. والثاني : أن يتعلَّقَ بمحذوفٍ على أنه حالٌ من » شَيْئاً « قُدِّمت عليه؛ لأنها لو تأَخَّرَتْ عنه لكانَتْ وصفاً، و » مِنْ « على هذا للتبعيض، و » مَا « موصولةٌ، والعائدُ محذوفٌ، تقديره : مِنَ الذي آتيتموهنَّ إِيَّاهُ، وقد تقدَّم الإِشكالُ والجوابُ في حذفِ العائدِ المنصوب المنفصلِ عند قوله تعالى :﴿ وَممَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ ﴾ [ البقرة : ٣ ] وهذا مثلُه، فَلْيُلْتَفَتْ إليه. و » آتَى « يتعدَّى لاثنين، أولهُما » هُنَّ « والثاني هو العائدُ المحذوفُ، و » شَيْئاً « مفعولٌ به ناصبُه » تَأْخُذُوا «. ويجوزُ أن يكونَ مصدراً، أي : شيئاً مِنَ الأَخْذِ. والوجهانِ منقولانِ في قوله :﴿ لاَ تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً ﴾ [ يس : ٥٤ ]. قوله :﴿ إِلاَّ أَن يَخَافَآ ﴾ هذا استثناءٌ مُفَرَّغٌ، وفي » أَنْ يَخَافَا « وجهان : أحدهما : أنه في محلِّ نصبٍ على أنه مفعولٌ من أجلِهِ، فيكونُ مستثنىً من ذلك العامِّ المحذوفِ، والتقديرُ : وَلاَ يَحِلُّ لكُمْ أن تَأْخُذُوا بِسَبَب من الأسباب، إلا بسببِ خوفِ عدم إقامة حُدُودِ الله، وحُذِفَ حرفُ العلةِ؛ لاستكمالِ شروط النصب، لا سيما مع » أَنْ « ولا يجيءُ هنا خلافُ الخليلِ وسيبويه : أهيَ في موضع نصبٍ، أو جرٍّ بعد حَذْفِ اللامِ، بل هي في محلِّ نصبٍ فقط، لأنَّ هذا المصدرَ لو صُرِّحَ به، لنُصِبَ، وهذا قد نصَّ عليه النحويُّون، أعنِي كونَ » أَنْ « وما بعدها في محلِّ نصبٍ، بلا خلافٍ، إذا وقعَتْ موقعَ المفعولِ له. والثاني : أنه في محلِّ نصبٍ على الحالِ، فيكونُ مستثنى من العامِ أيضاً، تقديره : ولاَ يَحِلُّ لكُمْ في كلِّ حالٍ من الأحوالِ إلاَّ في حالِ خوفِ أَلاَّ يقيما حدودَ اللهِ، قال أبو البقاء : والتقديرُ : إلاَّ خائفينَ، وفيه حَذْفُ مضافٍ، تقديره : وَلاَ يَحِلُّ لكُمْ أَنْ تأخُذُوا على كلِّ حال، أو في كلِّ حال إلا في حالِ الخوفِ، والوجهُ الأولُ أحسنُ، وذلك أَنَّ » أَنْ « وما في حَيِّزها مُؤَوَّلةٌ بمصدرٍ، وذلك المصدرُ واقعٌ موقعَ اسم الفاعلِ المنصُوبِ على الحَال، والمصدرُ لا يطَّرِدُ وقوعُه حالاً، فكيف بما هو في تأْويله!! وأيضاً فقد نَصَّ سيبويه على أنَّ » أَنِ « المصدرية لا تقَعُ موقعَ الحالِ.