والألفُ في قوله « يَخَافَا » و « يُقِيمَا » عائدةٌ على صنفَي الزوجين، وهذا الكلامُ فيه التفاتٌ، إذ لو جَرَى على نَسَقِ الكلام، لقيل :« إِلاَّ أَنْ تَخَافُوا أَلاَّ تُقِيمُوا » بِتَاءِ الخِطَابِ لِلْجَمَاعَةِ، وقد قَرأَها كذلك عبد الله، ورُوِي عنه أيضاً بياءِ الغَيْبَة، وهو التفاتٌ أيضاً. والقراءةُ في « يَخَافَا » بفتحِ الياءِ واضحةٌ، وقرأها حمزة وأبو جعفر ويعقوب بضمِّها على البناء للمفعول، وقَد استشكلها جماعةٌ، وطعن فيها آخرون لعدم معرفتهم بلسان العرب، وقد ذكروا فيها توجيهاتٍ كثيرةً، أحسنُها أَنْ يكونَ « أَنْ يُقِيمَا » بدلاً من الضمير في « يَخَافَا » ؛ لأنه يَحُلُّ مَحَلَّه، تقديره : إِلاَّ أَنْ يُخَافَ عَدَمُ إقامَتِهما حُدُودَ اللهِ، وهذا من بدل الاشتمال؛ كقولك :« الزَّيْدَانِ أَعْجَبَانِي عِلْمُهُمَا »، وكان الأصلُ :« إِلا أن يخافَ الوُلاَةُ الزوجَيْنِ أَلاَّ يقيمَا حُدُودَ اللهِ »، فَحُذِفَ الفاعلُ الذي هو « الوُلاَةُ » ؛ للدلالة عليه، وقامَ ضميرُ الزوجين مقامَ الفاعلِ، وبقيتْ « أَنْ » وما بعدها في محلِّ رفعٍ بَدَلاً؛ كما تقدَّم تقديرُه. وقد خرَّجه ابن عطيَّة على أنَّ « خَافَ » يتعدَّى إلى مفعولين ك « اسْتَغْفَرَ »، يعنيك إلى أحدِهما بنفسِه، وإلى الآخرِ بحرفِ الجَرِّ، وجَعَلَ الألِفَ هي المفعولَ الأولَ قامَتْ مقامَ الفاعلِ، و « أَنْ » وما في حَيِّزها هي الثاني، وجَعَل « أَنْ » في محلِّ جرٍّ عند سيبويه والكِسائيِّ، وقد رَدَّ عليه أبو حيان هذا التخريجَ؛ بأنَّ « خَافَ » لا يتعدَّى لاثنين، ولم يَعُدَّهُ النحويون حين عَدُّوا ما يَتَعَدَّى لاثنين؛ ولأنَّ المنصوبَ الثاني بعده في قولك :« خِفْتُ زَيْداً ضَرْبَهُ »، إنما هو بدلٌ لا مفعولٌ به، فليس هو كالثاني في « اسْتَغْفَرْتُ اللهَ ذَنْباً »، وبأن نسبة كَوْنِ « أَنْ » في محلِّ جر عند سيبويه ليس بصحيحٍ، بل مذهبُه أنها في محلِّ نصبٍ، وتبعه الفراء، ومذهبُ الخليل : أنها في محلِّ جَرٍّ، وتبعه الكسائيُّ، وهذا قد تقدَّم غيرَ مرةٍ. وقال غيره كقوله؛ إلاَّ أنَّه قدَّر حرفَ الجرِّ « عَلَى »، والتقدير : إلاَّ أنْ يَخَافَ الوُلاَةُ الزَّوْجَيْنِ عَلَى أَلاَّ يُقِيمَا، فَبُنِيَ للمفعولِ، فقام ضميرُ الزوجين مقامَ الفاعلِ، وحُذِفَ حرفُ الجر مِنْ « أَنْ » فجاء فيه الخلافُ المتقدِّمُ بين سيبويه والخليل. وهذا الذي قاله ابنُ عطيةَ سَبَقَه إليه أبو عليٍّ، إلاَّ أنه لم يُنَظِّرْهُ ب « اسْتَغْفَرَ ». وقد استشكل هذه القراءةَ قومٌ وطعَنَ عليها آخَرُونَ، لا عِلمَ لهم بذلك، فقال النحَّاسُ : لا أعْلَمُ في اختيارِ حمزة أبعدَ من هذا الحَرْفِ؛ لأنه لا يُوجِبُهُ الإِعرابُ، ولا اللفظُ، ولا المعنى. أمَّا الإِعرابُ : فلأنَّ ابنَ مسعود قرأ « إِلاَّ أَنْ تَخَافُوا أَلاَّ يُقِيمُوا »، فهذا إذا رُدَّ في العربيةِ لما لم يُسَمَّ فاعلُه، كان ينبغي أَنْ يُقال :« إِلاَّ أَنْ يُخَافَ ».