وأمَّا اللفظُ : فإِنْ كان على لفظِ « يُخَافَا »، وَجَبَ أن يقال : فَإِن خِيفَ، وإن كان على لفظ « خِفْتُمْ »، وَجَب أن يقال : إِلاَّ أَنْ تَخَافُوا. وأمَّا المعنى : فَأَسْتَبْعِدُ أن يُقَالَ :« وَلاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً إِلاَّ أَنْ يَخافَ غَيْرُكُمْ »، ولم يَقُلْ تعالى :« ولا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا لَهُ منْهَا فدْيَةً »، فيكون الخُلْعُ إلى السلطان، والفَرْضُ أَنَّ الخُلْعَ لا يحتاجُ إلى السلطانِ. وقد رَدَّ الناسُ على النحَّاس : أمَّا ما ذكره من حيث الإِعرابُ : فلا يَلْزَمُ حمزةَ ما قرأ به عبدالله. وأمَّا مِنْ حيثُ اللفظُ، فإنه من باب الالتفاتِ؛ كما قَدَّمْتُه أولاً، ويَلْزَمُ النَّحَّاسَ أنه كان ينبغي على قراءةِ غيرِ حمزةَ أن يقرأَ :« فَإِنْ خَافَا »، وإِنَّما هو في القراءتَين من الالتفاتِ المستحْسَنِ في العربيةِ. وأمَّا من حيثُ المعنى : فلأنَّ الولاةَ والحكامَ هُمُ الأصلُ في رَفْعِ التظالُمِ بين الناسوهم الآمرون بالأخْذِ والإِيتاء. و وجَّه الفراء قراءةَ حمزةَ، بأنه اعتبرَ قراءةَ عبدِ الله « إِلاَّ أَنْ تَخَافُوا ». وخَطَّأَهُ الفارسيُّ وقال :« لَمْ يُصِبْ؛ لأنَّ الخوفَ في قراءةِ عبدِ الله واقعٌ على » أَنْ «، وفي قراءة حمزة واقعٌ على الرجُلِ والمَرْأَةِ ». وهذا الذي خَطَّأَ به الفراء ليس بشيءٍ؛ لأنَّ معنى قراءةِ عبد الله : إِلاَّ أَنْ تَخَافُوهُمَا، أي : الأولياءُ، الزوجين ألاَّ يُقيمَا، فالخوفُ واقعٌ على « أَنْ » وكذلك هي في قراءةِ حمزة الخوفُ واقعٌ عليها أيضاً بأحدِ الطريقينِ المتقدِّمينِ : إمَّا على كونها بدلاً من ضميرِ الزوجين؛ كما تقدَّم تقريره، وإمَّا على حذف حرف الجرّ، وهو « على ». والخوفُ هنا فيه ثلاثةُ أوجهٍ :
أحدها : أنه على بابِه من الحَذَرِ والخَشْيَةِ، فتكونُ « أَنْ » في قراءةِ « غير حمزةَ في محلِّ جَرٍّ، أو نصبٍ؛ على حَسَبِ الخلافِ فيها بعدَ حذفِ حرفِ الجرِّ؛ إذ الأصلُ : مِنْ أَلاَّ يُقِيمَا، أو في محلِّ نصبٍ فقط؛ على تعديةِ الفعلِ إليها بنفسِهِ؛ كأنه قيل : إِلاَّ أَنْ يَحْذَرَ عَدَمَ إِقَامَةِ حُذُودِ اللهِ.
والثاني : أنه بمعنى العِلْم، وهو قَوْلُ أبي عُبَيْدَة. وأنشد [ الطويل ]١١٠٩- فَقُلْتُ لَهُمْ خَافُوا بأَلْفَيْ مُدَجَّجٍ | سَرَاتُهُمُ فِي الْفَارِسِيِّ المُسَرَّدِ |
ومنه أيضاً :[ الطويل ]١١١٠- وَلاَ تَدْفِنَنِّي فِي الفَلاَةِ فَإِنَّنِي | أَخَافُ إِذَا مَا مِتُّ أَنْ لاَ أَذُوقُهَا |
ولذلك رُفِعَ الفعلُ بعد » أَنْ «، وهذا لا يصحُّ في الآيةِ، لظهورِ النَّصْب، وأما البيتُ، فالمشهورُ في روايتِهِ » فَقُلْتُ لَهُمْ ظُنُّوا بأَلْفَيْ «.
والثالث : الظَّنّ، قاله الفراء؛ ويؤيِّدُهُ قراءةٌ أُبَيٍّ :» إِلاَّ أَنْ يَظُنَّا « ؛ وأنشد :[ الطويل ]