وأيضاً روى أبو داود في « سُنَنِ » عن عكرمة، عن ابن عبَّاسٍ : أن امرأة ثابت بن قيس لما اخْتَلَعَت، جعل النبي - ﷺ - عِدَّتها حيضَة.
قال الخطَّابي : وهذا أدلُّ شيء على أن الخُلع فسخٌ وليس بطلاقٍ؛ لأن الله - تعالى - قال :﴿ والمطلقات يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قرواء ﴾ [ البقرة : ٢٢٨ ] فلو كانت هذه طلقة، لم يقتصر على قرءٍ واحدٍ.
قوله :﴿ تِلْكَ حُدُودُ الله ﴾ مبتدأٌ وخبرٌ، والمشارُ إليه جميعُ الآياتِ من قوله :﴿ وَلاَ تَنْكِحُواْ المشركات ﴾ [ البقرة : ٢٢١ ] إلى هنا.
وقوله :﴿ فَلاَ تَعْتَدُوهَا ﴾ أصلُه : تَعْتَدِيُوهَا، فاسْتُثْقِلَت الضمَّةُ على الياءِ؛ فحُذِفت، فسكنَتِ الياءُ وبعدَها واوُ الضميرِ ساكنةً، فحُذِفت الياءُ؛ لالتقاءِ الساكنَينِ، وضُمَّ ما قبلَ الواو؛ لتصِحَّ، ووزنُ الكَلِمَة تَفْتَعُوها.
قال أبو العبَّاس المُقْرِي : ورد لفظ :« الاعْتِدَاء » في القُرآن بإزاء ثلاثة معانٍ :
الأول : الاعتِداء : تعدِّي المأمُورات والمنهيَّات؛ قال - تعالى - :﴿ تِلْكَ حُدُودُ الله فَلاَ تَعْتَدُوهَا ﴾ [ البقرة : ٢٢٩ ].
والثاني :« الاعتِدَاء » القتل؛ قال تعالى :﴿ فَمَنِ اعتدى بَعْدَ ذلك فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ [ البقرة : ١٧٨ ] أي : من قتل بعد قبُول التَّوْبة.
الثالث :« الاعْتِداء » الجزاء؛ قال - تعالى - :﴿ فَمَنِ اعتدى عَلَيْكُمْ فاعتدوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعتدى عَلَيْكُمْ ﴾ [ البقرة : ١٩٤ ] أي : جاوزهُ.

فصل


قال القرطبي : إذا اختلعت منه بِرِضاع ابنها منه حولين جاز، وفي الخُلْعِ بنفقتها على الابن بعد الحَوْلَيْن مُدَّة مَعْلُومة قولان :
أحدهما : يجوزُ؛ قاله سحنون.
والثاني : لا يجوزُ؛ رواه ابن القاسم عن مالك.
ولو اشترط على امرأته في الخُلْع نفقة حملِها، وهي لا شيء لها، فعليه النفقة إذا لم يَكُن لها مالٌ تنفق منه، فإن أيسَرت بعد ذلك رجع عَلَيْها.
قال مالك : ومن الحقِّ أن يكلِّف الرَّجل نفقة ولده وإن اشترط على أمِّه نفقته إذا لم يكن لها ما تنفق عليه.
قوله :﴿ وَمَن يَتَعَدَّ ﴾ « مَنْ » شرطيةٌ في محلِّ رفعٍ بالابتداء، وفي خبرها الخلاف المتقدِّم.
وقوله :﴿ فأولئك ﴾ جوابها، ولا جائزٌ أن تكون موصولةٌ، والفاء زائدة في الخبر لظهور عملها الجزم فيما بعدها، و « هُمُ » من قوله :﴿ فأولئك هُمُ ﴾ يحتمل ثلاثة أوجهٍ :
أحدها : أن يكون فصلاً.
والثاني : أن يكون بدلاً.
و ﴿ الظالمون ﴾ على هذين خبر « أُولَئِكَ » والإخبار بمفردٍ.
والثالث : أن يكون مبتدأً ثانياً، و « الظالمون » خبره، والجملة خبر « أُولَئِكَ »، والإخبار على هذا بجملةٍ.


الصفحة التالية
Icon