وهو الذي عوَّل عليه سعيد بن المسيَّب في أنَّ التحليل يحصل بمجرد العقد؛ لأن الوطء لو كان معتبراً، لكانت العدة واجبةً، وهذه الآية تدل على سقوط العدَّة؛ لأن « الفَاءَ » في قوله :﴿ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَآ أَن يَتَرَاجَعَآ ﴾ يدلُّ على أنَّ حل المراجعة حاصل عقيب طلاق الزوج الثاني، إلاَّ أنه يجاب بأنَّ هذا المخصوص بقوله تعالى :﴿ والمطلقات يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قرواء ﴾ [ البقرة : ٢٢٨ ].
قوله :﴿ أَن يَتَرَاجَعَآ ﴾، أي :« في أَنْ »، ففي محلِّها القولان المشهوران : قال الفراء : موضعهما نصبٌ بنزع الخافض، وقال الكسائي، والخليل : موضعهما خفضٌ بإضمار، و « عليهما » خبر « لا »، و « في أن » متعلِّقٌ بالاستقرار، وقد تقدَّم أنه لا يجوز أن يكون « عليهما » متعلقاً ب « جُناح »، والجارُّ الخبر، لما يلزم من تنوين اسم « لا » ؛ لأنه حينئذٍ يكون مطوَّلاً.
قوله :﴿ إِن ظَنَّآ ﴾ شرطٌ جوابه محذوفٌ عند سيبويه لدلالة ما قبله عليه، ومتقدِّم عند الكوفيين وأبي زيد. والظَّنُّ هنا على بابه من ترجيح أحد الجانبين، وهو مقوِّ أن الخوف المتقدِّم بمعنى الظَّنِّ. وزعم أبو عبيدة وغيره أنه بمعنى اليقين، وضعَّف هذا القول الزمخشري لوجهين، أحدهما من جهة اللفظ وهو أنَّ « أَنْ » الناصبة لا يعمل فيها يقينٌ، وإنما ذلك للمشدَّدة والمخففة منها، لا تقول : علمت أنَّ يقوم زيدٌ، إنما تقول : علمت أنْ يقوم زيدٌ. والثاني من جهة المعنى : فإنَّ الإنسان لا يتيقَّن ما في الغد وإنما يظنُّه ظناً.
قال أبو حيان : أمَّا ما ذكره من أنه لا يقال :« علمت أنَّ يقومَ زيد » فقد ذكره غيره مثل الفارسي وغيره، إلاَّ أن سيبويه أجاز :« ما علْتُ إلا أن يقومَ زيدٌ » فظاهرُ هذا الردُّ على الفارسي. قال بعضهم الجمع بينهما أنَّ « عَلِمَ » قد يراد بها الظَّنُّ القويُّ كقوله :﴿ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ ﴾ [ الممتحنة : ١٠ ]، وقوله :[ الوافر ]
١١١٣- وَأَعْلَمُ عِلْمَ حَقٍّ غَيْرَ ظَنِّ | وتَقْوَى اللهِ مِنْ خَيْرِ العَتَادِ |