وأمَّا قوله :« لأنَّ الإنسانَ لا يعلمُ ما في الغدِ » فليسَ كما ذكر، بل الإنسان يعلم أشياء كثيرةً واقعةً في الغد ويجزم بها « قال شهاب الدين : وهذا الردُّ من الشيخ عجيبٌ جداً، كيف يقال في الآية : إنَّ الظن بمعنى اليقين، ثم يجعل اليقين بمعنى الظن المسوغ لعلمه في » أَنْ « الناصبة. وقوله :» لأنَّ الإنسانَ قد يَجْزِمُ بأشياءَ في الغد « مُسَلَّمٌ، لكن ليس هذا منها.
وقوله :﴿ أَن يُقِيمَا ﴾ إمَّا سادٌّ مسدَّ المفعولين، أو الأول والثاني محذوفٌ، على حسب المذهبين المتقدمين.
فصل
كلمة » إن « في اللغة للشرط، والمعلق بالشرط عدم عند عدم الشرط؛ فظاهر الآية يقتضي : أنه متى لم يحصل هذا الظن لم يحصل جواز المراجعة وليس الأمر كذلك؛ فإنَّ جواز المراجعة ثابتٌ، سواءٌ حصل هذا الظنُّ، أو لم يحصل، إلاَّ أنا نقول : ليس المراد أنَّ هذا شرطٌ لصحة المراجعة؛ بل المراد منه أنه يلزمهم عند المراجعة بالنِّكاح الجديد رعاية حقوق الله تعالى، وقصد الإقامة لحدود الله.
قال طاوسٌ : إن ظنَّ كلٌّ واحدٍ منهما، أنه يحسن عشرة صاحبه.
وقيل : حدود الله : فرائضه، أي إذا علما أنه يكون منهما الصلاح بالنكاح الثاني.
فمتى علم الزوج أنه يعجز بنفقة زوجته، أو صداقها، أو شيءٍ من حقوقها الواجبة عليه؛ فلا يحلُّ له أن يتزوجها؛ حتى يبيِّن لها. وكذلك لو كانت تعلم أنها تمنعه من الاستمتاع، كان عليها أن تبين.
وكذلك لا يجوز له أن يغرَّها بنسبٍ يدعيه، ولا مال له، ولا صناعة يذكرها، وهو كاذبٌ، وكذلك لو كان بها علةٌ، تمنع من الاستمتاع من جنونٍ، أو جذامٍ، أو بَرَصٍ، أو داءٍ في الفرج؛ لم يجز لها أن تغرَّه، وعليها أن تبيِّن له ما بها، كما يجب على بائع السِّلعة. وكان النبي - عليه الصَّلاة والسَّلام - تزوج امرأة، فوجد بكشحها برصاً؛ فردَّها، وقال :» دَلَّسْتُمْ عَلَيَّ «.
فصل هل على الزوجة خدمة الزوج؟
نقل القرطبيُّ عن ابن خويزمنداد قال : اختلف أصحابنا : هل على الزوجة خدمة الزوج؟
فقال بعضهم : ليس عليها خدمته؛ لأن العقد إنما يتناول الاستمتاع، لا الخدمة؛ قال تعالى :﴿ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً ﴾ [ النساء : ٣٤ ].
وقال بعضهم : عليها خدمة مثلها؛ فإن كانت شريفة المحلِّ، فعليها التدبير للمنزل، وإن كانت متوسطة الحال، فعليها أن تفرش الفراش، ونحو ذلك، وإن كانت دون ذلك، فعليها أن تَقُمَّ البيت، وتطبخ، وتغسل، وإن كانت من نساء الكرد، والدّيلم والجبل في بلدهن كلِّفت ما تكلف نساؤهم المسلمين من ذلك؛ قال تعالى :﴿ وَلَهُنَّ مِثْلُ الذي عَلَيْهِنَّ بالمعروف ﴾ [ البقرة : ٢٢٨ ].
قوله :﴿ وَتِلْكَ حُدُودُ الله يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ﴾ » تلكَ « إشارةٌ إلى ما بينهما من التَّكاليف.