« يُبَيِّنُهَا » في هذه الجملة وجهان :
أحدهما : أنها في محلِّ رفعٍ، خبراً بعد خبرٍ، عند من يرى ذلك.
والثاني : أنها في محلِّ نصب على الحال، وصاحبها « حدود الله » والعامل فيها اسم الإشارة.
وقرئ :« نبيِّنها » بالنون، ويروى عن عاصمٍ، على الالتفات من الغيبة إلى التكلم؛ للتعظيم.
فإن قيل :« تلك » إشارةٌ إلى ما بيَّنه من التكاليف؛ وقوله :« نُبَيِّنُهَا » إشارة إلى الاستقبال، والجمع بينهما متناقضَ!
فالجواب : أنَّ هذه النصوص التي تقدمت أكثرها عامةٌ، لا يتطرق إليها تخصيصاتٌ كثيرة، وأكثر تلك المخصِّصات إنَّما عرفت بالسُّنَّة، فكأنه قال : إن هذه الأحكام التي تقدمت، هي حدود الله، وسيبينها الله تعالى كمال البنيان، على لسان النبي - عليه الصَّلاة والسَّلام - وهو كقوله تعالى :﴿ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ ﴾ [ النحل : ٤٤ ].
وقيل :﴿ وَتِلْكَ حُدُودُ الله ﴾ يعني : ما تقدَّم ذكره من الأحكام يبيِّنها الله لمن يعلم أن الله أنزل الكتاب، وبعث الرسل؛ ليعلموا بأوامره، وينتهوا عن نواهيه.
و « لقوم » متعلِّقٌ ب « يُبَيِّنُهَا »، و « يعلمون » في محل خَفْض صفةً ل « قوم »، وخص العلماء بالذكر؛ لأنَّهم هم المنتفعون بالبيان دون غيرهم، وقيل : خصَّهم بالذّكر لقوله :﴿ وملاائكته وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وميكال ﴾ [ البقرة : ٩٨ ] وقيل : عنى به العرب؛ لعلمهم باللسان.
وقيل : أراد من له علمٌ، وعقلٌ؛ كقوله :﴿ وَمَا يَعْقِلُهَآ إِلاَّ العالمون ﴾ [ العنكبوت : ٤٣ ] والمقصود أنه لا يكلف إلاَّ عاقلاً، عالماً بما يكلِّف.


الصفحة التالية
Icon