قوله تعالى :﴿ وَإِذَا طَلَّقْتُمُ ﴾ : شرطٌ، جوابه ﴿ فَأَمْسِكُوهُنَّ ﴾، وقوله :﴿ فَبَلَغْنَ ﴾ عطفٌ على فعل الشرط، والبلوغ : الوصول إلى الشيء : بلغه يبلغه بلوغاً؛ قال امرؤ القيس :[ الطويل ]
١١١٥- وَمَجْرٍ كَغُلاَّنِ الأُنَيْعِمِ بالِغٍ | دِيَارَ العَدُوِّ ذِي زُهَاءٍ وَأَرْكَانِ |
قوله تعالى :« بمعروفٍ » في محلِّ نصبٍ على الحال، وصاحبها : إمَّا الفاعل أي : مصاحبين للمعروف، أو المفعول، أي : مصاحباتٍ للمعروف.
قوله :﴿ ضِرَاراً ﴾ فيه وجهان :
أظهرهما : أنه مفعول من أجله، أي : لأجل الضِّرار.
والثاني : أنه مصدرٌ في موضع الحال، أي : حال كونكم مضارِّين لهنَّ.
قوله :﴿ لِّتَعْتَدُواْ ﴾ هذه لام العلّة، أي : لا تضارُّوهنَّ على قصد الاعتداء عليهن، فحينئذٍ تصيرون عصاةً لله تعالى، وتكونوا معتدين؛ لقصدكم تلك المعصية.
وأجاز أبو البقاء : أن تكون لام العاقبة، أي : الصيرورة، كقوله :﴿ فالتقطه آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوّاً وَحَزَناً ﴾ [ القصص : ٨ ]، وفي متعلقها وجهان :
أحدهما : أنه ﴿ لاَ تُمْسِكُوهُنَّ ﴾.
والثاني : أنه المصدرُ، إنْ قلنا : إنه حالٌ، وإنْ قُلْنَا : إنه مفعولٌ من أجله، تعلَّقت به فقط؛ وتكون علةً للعلة؛ كما تقول :« ضربتُ ابني؛ تأديباً؛ لينتفع »، فالتأديب علةٌ للضرب، والانتفاع علةٌ للتأديب، ولا يجوز أن تتعلَّق - والحالة هذه - ب « لا تُمْسِكُوهُنَّ ».
و « تَعْتَدُوا » منصوبٌ بإضمار « أنْ » وهي وما بعدها في محلِّ جر بهذه اللام، كما تقدَّم تقريره، وأصل « تَعْتَدُوا » : تَعْتَدِيُوا، فأُعِلَّ كنظائره.
قوله :﴿ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ ﴾ أدغم أبو الحارث، عن الكسائي، اللام في الذال، إذا كان الفعل مجزوماً كهذه الآية، وهي في سبعة مواضع في القرآن :﴿ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ ﴾ [ البقرة : ٣٣١ ] في موضعين، ﴿ وَمَن يَفْعَلْ ذلك فَلَيْسَ مِنَ الله فِي شَيْءٍ ﴾ [ آل عمران : ٢٨ ]، ﴿ وَمَن يَفْعَلْ ذلك عُدْوَاناً وَظُلْماً ﴾ [ النساء : ٣٠ ]، ﴿ وَمَن يَفْعَلْ ذلك ابتغآء مَرْضَاتِ الله ﴾ [ النساء : ١١٤ ]، ﴿ وَمَن يَفْعَلْ ذلك يَلْقَ أَثَاماً ﴾ [ الفرقان : ٦٨ ]، ﴿ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فأولئك هُمُ الخاسرون ﴾ [ المنافقون : ٩ ]. وجاز لتقارب مخرجيهما، واشتراكهما في : الانفتاح، والاستفال، والجهر.
وتحرَّز من غير المجزوم نحو : يفعل ذلك. وقد طعن قومٌ على هذه الرواية، فقالوا : لا تصحُّ عن الكسائي؛ لأنها تخالف أصوله، وهذا غير صواب.
فصل في سبب النزول
هذه الآية نزلت في رجلٍ من الأنصار يدعى : ثابت بن يسارٍ، طلّق امرأته، حتى إذا قارب انقضاء عدّتها، راجعها، ثمَّ طلَّقها؛ يقصد مضارَّتها.
فإن قيل : ذكر هذه الآية بعد قوله :﴿ الطلاق مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ ﴾ [ البقرة : ٢٢٩ ] تكريرٌ لكلامٍ واحدٍ، في موضوعٍ واحدٍ، من غير زيادة فائدةٍ، وهو لا يجوز؟!
فالجواب : أمَّا على قول أصحاب أبي حنيفة، فالسؤال ساقطٌ عنهم؛ لأنهم حملوا قوله تعالى :﴿ الطلاق مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ ﴾ [ البقرة : ٢٢٩ ] على أن الجمع بين الطلقات غير مشروعٍ، وإنَّما المشروع هو التفريق، فإن تلك الآية في بيان كيفية الجمع والتفريق، وهذه في بيان كيفية المراجعة.