وأما قراءة عاصم، فمعناها : ما آتاكم الله وأقدركم عليه من الأجرة، وهو في معنى قوله تعالى :﴿ وَأَنفِقُواْ مِمَّا جَعَلَكُم مُّسْتَخْلَفِينَ فِيهِ ﴾ [ الحديد : ٧ ].
ثم حذف عائد الموصول، وأجاز أبو البقاء أن يكون التقدير : ما جئتم به، فحذف، يعني : حذف على التَّدريج بأن حذف حرف الجرِّ أولاً؛ فاتَّصل الضمير منصوباً بفعلٍ، فحذف.
و « ما » فيها وجهان :
أظهرهما : أنها بمعنى « الَّذِي » وأجاز أبو عليٍّ فيها أن تكون موصولةً حرفيَّةً، ولكن ذكر ذلك مع قراءة القصر خاصَّةً، والتقدير : إذا سلَّمتم الإتيان، وحينئذٍ يستغنى عن ذلك الضَّمير المحذوف، ولا يختصّ ذلك بقراءة القصر، بل يجوز أن تكون مصدريَّةً مع المدِّ أيضاً؛ على أن المصدر واقعٌ موقع المفعول، تقديره : إذا سلَّمتم الإعطاء، أي : المعطى.
والظاهر في « مَا » أن يكون المراد بها الأُجرة التي تتعاطاها المرضع، والخطاب على هذا في قوله :« سَلَّمْتُمْ » و « آتَيْتُمْ » لآباء خاصَّة، وأجازوا أن يكون المراد بها الأولاد، قاله قتادة والزهري، وفيه نظرٌ؛ من حيث وقوعها على العقلاء؛ وعلى هذا فالخطاب في « سَلَّمْتُمْ » للآباء والأمَّهات.
قوله تعالى :﴿ بالمعروف ﴾ فيه ثلاثة أوجهٍ :
أحدها : أن يتعلَّق ب « سَلَّمْتُمْ » أي : بالقول الجميل.
والثاني : أن يتعلَّق ب « آتَيْتُمْ ».
والثالث : أن يكون حالاً من فاعل « سَلَّمْتُمْ »، أو « آتَيتُمْ »، فالعامل فيه حينئذٍ محذوفٌ، أي : مُلْتَبِسِينَ بالمعروف.

فصل


قد تقدَّم أنَّ الأمَّ أحقُّ بالرَّضاع، فإن حصل ثمَّ مانعٌ عن ذلك، جاز العدول عنها إلى غيرها، مثل أن تتزوَّج بزوجٍ آخر، فإنَّ قيامها بحقِّ ذلك الزوج يمنعها من الرَّضاع.
ومنها : إذا طلَّقها الزوج الأوَّل، فقد تكره الرَّضاع؛ حتى يتزوَّج بها زوجٌ آخر.
ومنها : أن تأبى المرأة إرضاع الولد؛ إيذاءً للزَّوج المطلِّق وإيحاشاً له.
ومنها : أن تمرض، أو ينقطع لبنها.
فعند أحد هذه الوجوه، إذا وجدنا مرضعةً أخرى، وقبل الطفل لبنها، جاز العدول عن الأمِّ إلى غيرها.
فأمَّا إذا لم نجد مرضعةً أخرى أو وجدناها، لكنَّ الطفل لا يقبل لبنها، فهاهنا الإرضاع واجبٌ على الأمِّ.
ثم إنَّه تعالى ختم الآية بالتَّحذير، فقال :﴿ واتقوا الله واعلموا أَنَّ الله بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ﴾.


الصفحة التالية
Icon