في « الَّذِينَ » أوجهٌ :
أحدها : أنَّها مبتدأٌ لا خبر له، بل أخبر عن الزوجات المتصل ذكرهنَّ به؛ لأنَّ الحديث معهنَّ في الاعتداد، فجاء الخبر عن المقصود، إذ المعنى : من مات عنها زوجها، تربَّصت، وإليه ذهب الكسائيُّ والفراء؛ وأنشد الفراء :[ الطويل ]

١١٣٠- لَعَلِّيَ إِنْ مَالَتْ بِيَ الرِّيحُ مَيْلَةً عَلَى ابْنِ أَبِي ذِبَّانَ أَنْ يَتَنَدَّمَا
فقال : لَعَلِّيَ « ثم قال :» أَنْ يَتَنَدَّمَ « فأخبر عن ابن أبي ذِبَّانَ، فترك المتكلم؛ إذ التقدير : لعلَّ ابن أبي ذبَّان أن يتندَّم إن مالت بي الرِّيح ميلةً. وقال آخر :[ الطويل ]
١١٣١- بَنِي أَسَدٍ إِنَّ ابْنَ قَيْسٍ وَقَتْلَهُ بِغَيْرِ دَمٍ دَارُ المَذَلَّةِ حُلَّتِ
فأخبر عن قتله بأنه دار مذلَّةٍ، وترك الإخبار عن ابن قيسٍ.
وتحرير مذهب الكسائيِّ والفرَّاء : أنه إذا ذكر اسمٌ، وذكر اسم مضافٌ إليه فيه معنى الإخبار ترك عن الأول، وأخبر عن الثاني؛ نحو :»
إنَّ زَيْداً وَأُخْتهُ مُنْطَلِقَةٌ «، المعنى : إن أخت زيدٍ منطلقةٌ، لكنَّ الآية الكريمة والبيت ا لأول ليسا من هذا الضَّرب، وإنما الذي أورده شبيهاً بهذا الضرب. قوله :[ الوافر ]
١١٣٢- فَمَنْ يَكُ سَائِلاً عَنِّي فَإِنِّي وَجِرْوَةَ لاَ تَرُودُ وَلاَ تُعَارُ
وأنكر المبرد والزجاج ذلك؛ قالا : لأن مجيء المبتدأ بدون الخبر محال، وليس هذا موضع البحث في هذا المذهب ودلائله.
الثاني : أنَّ له خبراً اختلفوا فيه على وجوه :
أحدها : أنه »
يَتَرَبَّصْنَ «، ولا بدَّ من حذفٍ يصحِّحُ وقوع هذه الجملة خبراً عن الأول؛ لخلوِّها من الرابط، والتقدير : وأزواجُ الَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ يَتَرَبَّصْنَ؛ ويدلُّ على هذا المحذوف قوله :﴿ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً ﴾ فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه لتلك الدلالة عليه. والتقدير : يتربَّصن بعدهم، أو بعد موتهم، قاله الأخفش.
وثالثها : أنَّ »
يَتَرَبَّصْنَ « خبرٌ لمبتدأ محذوفٍ، التقدير : أزواجهم يتربَّصْنَ، وهذه الجملة خبرٌ عن الأوَّل، قاله المبرِّد.
ورابعها : أنَّ الخبر محذوفٌ بجملته قبل المبتدأ، تقديره : فيما يتلى عليكم حكم الذين يتوفَّون، ويكون قوله »
يَتَرَبَّصْنَ « جملةً مبيِّنَةً للحكم، ومفسِّرة له، فلا موضع لها من الإعراب، ويعزى هذا لسيبويه.
قال ابن عطيَّة : وَحَكَى المَهْدَوِيُّ عن سيبويه أنَّ المعنى :»
وَفِيمَا يُتْلَى عَلَيْكُم الذين يُتَوَفَّونَ «، ولا أعرفُ هذا الذي حكاه؛ لأنَّ ذلك إنما يتَّجه إذا كان في الكلام لفظ أمرٍ بعد المبتدأ، نحو قوله تعالى :﴿ والسارق والسارقة فاقطعوا ﴾ [ المائدة : ٣٨ ] ﴿ الزانية والزاني فاجلدوا ﴾ [ النور : ٢ ] وهذه الآية فيها معنى الأمر، لا لفظه، فتحتاج مع هذا التقدير إلى تقدير آخر يستغنى عنه إذا حضر لفظ الأمر.
وخامسها : أن بعض الجملة قام مقام شيء مضافٍ إلى عائدِ المبتدأ، والتقدير :»
وَالَّذِينَ يُتَوفَّوْنَ مِنْكُمْ ويَذَرُونَ أَزْوَاجاً يَتَرَبَّصْنَ أَزْوَاجُهُمْ « فحذف » أَزْوَاجُهُمْ « بجملته، وقامت النون التي هي ضمير الأزواج مقامهنَّ بقيد إضافتهنَّ إلى ضمير المبتدأ.


الصفحة التالية
Icon