وقال القرطبيُّ : المعنى : والرِّجَالُ الَّذِينَ يَمُوتُونَ مِنْكُمْ « » وَيَذَرُونَ « - أي : يتركون - » أَزْوَاجاً « - أي : ولهم زوجاتٌ - فالزَّوجات » يَتَرَبَّصْنَ « قال معناه الزَّجَّاج واختاره النَّحاس، وحذف المبتدأ في القرآن كثيرٌ؛ قال تعالى :﴿ قُلْ أَفَأُنَبِّئُكُم بِشَرٍّ مِّن ذلكم النار ﴾ [ الحج : ٧٢ ] أي هو النَّار.
وقرأ الجمهور »
يُتَوَفَّوْنَ « مبنيّاً لما لم يسمَّ فاعله، ومعناه : يموتون ويقبضون؛ قال تعالى :﴿ الله يَتَوَفَّى الأنفس حِينَ مِوْتِهَا ﴾ [ الزمر : ٤٢ ]، وأصل التوفي أخذ الشيء وافياً كاملاً، فمن مات، فقد وجد عمره وافياً كاملاً.
وقرأ علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - ورواها المفضَّل عن عاصم - بفتح الياء على بنائه للفاعلن ومعناه : يَسْتَوْفُونَ آجَالَهُمْ، قاله الزمخشريُّ.
ويُحكى أن أبا الأسود كان خلف جنازةٍ، فقال له رجلٌ : من المتوفِّي؟ بكسر الفاء، فقال : الله، وكان أحد الأسباب الباعثة لعلي بن أبي طالب - رضي الله عنه - على أن أمره بوضع كتابٍ في النَّحو.
وقد تقدَّم البحث في قوله تعالى :﴿ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قرواء ﴾ [ البقرة : ٢٢٨ ] وهل »
بِأَنْفُسِهِنَّ « تأكيدٌ أو لا؟ وهل نصبُ » قُرُوء « على الظرف، أو المفعوليَّة؟ وهو جارٍ ها هنا.
قوله :﴿ مِنكُمْ ﴾ في محلِّ نصبٍ على الحال من مرفوع »
يتَوَفَّوْنَ « والعامل فيه محذوفٌ، تقديره : حال كونهم منكم، و » مِنْ « تحتمل التبعيض وبيان الجنس والأزواج ها هنا.

فصل في معنى » التربص «


و »
التَّرَبُّصُ « : التأنِّي والتصبُّر عن النِّكاح، وترك الخروج عن مسكن النكاح بألاَّ تفارقه ليلاً، ولم يذكر الله تعالى السُّكنى للمتوفَّى عنها في كتابه كما ذكرها للمطلَّقة بقوله :﴿ أَسْكِنُوهُنَّ ﴾ [ الطلاق : ٦ ]، وليس في لفظ العدَّة في القرآن ما يدلُّ على الإحداد وإنما قال :» يَتَرَبَّصْنَ « فبينت السُّنَّة جميع ذلك.
قوله :﴿ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً ﴾ إنما قال »
عَشْراً « من غير تاء تأنيثٍ في العدد والمراد عشرة أيام؛ لوجوه :
الأول : أنَّ المراد »
عَشْرَ لَيَالٍ « مع أيامها، وإنما أوثرت الليالي على الأَيام في التاريخ لسبقها؛ قال الزمخشريُّ :» وقيل « عَشْراً » ذهاباً إلى الليالي، والأيام داخلةٌ فيها، ولا تراهم قطُّ يستعملون التذكير ذاهبين فيه إلى الأيام، تقولك « صُمْتُ عَشْراً »، ولو ذكَّرْت خرجت من كلامهم، ومن البيِّن قوله تعالى :﴿ إِلاَّ عَشْراً ﴾ [ طه : ١٠٣ ]، ﴿ إِن لَّبِثْتُمْ إِلاَّ يَوْماً ﴾ [ طه : ١٠٤ ].
الثاني : قال المبرِّد : إنَّ حذف التاء؛ لأجل أنَّ التقدير عشر مددٍ كلُّ مدة منها يومٌ وليلةٌ، تقول العرب :« سِرْنَا خَمْساً » أي : بين يوم وليلة؛ قال :[ الطويل ]
١١٣٣- فَطَافَتْ ثَلاَثاً بَيْنَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ وَكَانَ النَّكِيرُ أَنْ تُضِيفَ وَتَجْأَرَا
والثالث : أنَّ المعدود مذكَّرٌ وهو الأيام، وإنما حذفت التاء؛ لأنَّ المعدود المذكر، إذا ذكر وجب لحاق التاء في عدده؛ قالوا « صُمْنَا خَمْسَةَ أَيَّام »، وإذا حذف لفظاً، جاز في العدد الوجهان : ذكر التاء وعدمها، حكى الكسائيُّ :« صُمْنَا مِنَ الشَّهْرِ خَمْساً »، ومنه الحديث :


الصفحة التالية
Icon