والثاني : أنه من مجرور محذوفٍ؛ ولذلك قَدَّره ب « إِلاَّ بَأَنْ تَقُولُوا » ؛ [ لأنَّ التقدير عنده : لا تُوَاعِدُوهُنَّ بشيءٍ، إلا بَأَنْ تقولُوا، ثم أَوْضَحَ قوله بأنْ تَقُولُوا ] بالتعريض، فلمَّا حُذِفَت الباءُ من « أَنْ »، وهي باءُ السببيةِ بقي في « أَن » الخلافُ المشهورُ بعد حذفِ حرفِ الجرِّ، هل هي في محلِّ نصبٍ أم جَرٍّ؟ وقوله :« لأدائِهِ إلى قولك... إلى آخره » يعني أنه لا يصِحُّ تسلُّط العامِل عليه، فإنَّ القولَ المعروفَ عندَهُ المرادُ به التعريضُ، وأنت لو قلْتَ :« لاَ تُوَاعِدُوهُنَّ إِلاَّ التَّعْرِيض ليس مواعداً.
وردَّ عليه أبو حيان : بأنَّ الاستثناء المنقطع ليس مِنْ شرطِهِ صحَّةُ تسلُّطِ العامِل عليه، بل هو على قسمين : قسم يَصِحُّ فيه ذلك، وفيه لغتان : لغةُ الحجازِ وجوبُ النصب مطلقاً، نحو :» مَا جَاءَ أَحَدٌ إِلاَّ حِمَاراً « ولغةُ تميم إجراؤه مجرى المتصل، فيجرونَ فيه النصبَ والبدلية بشرطه. وقِسْم لا يصحُّ فيه ذلك، نحو :» مَا زَادَ إِلاَّ مَا نَقَصَ «، و » مَا نَفَعَ إِلاَّ مَا ضَرَّ «، وحكمُ هذا النّصبُ عند العرب قاطبةً، فالقسمان يشتركان في التقديرِ ب » لَكِنْ « عند البصريين، إلاَّ أنَّ أحدهما يصحُّ تسلُّط العامِل عليه في قولك :» مَا جَاءَ أَحَدٌ إِلاَّ حِمَار « لو قلت :» مَا جَاءَ إِلاَّ حِمَارٌ «، صَحَّ؛ بخلافِ القسمِ الثاني؛ فإنَّه لا يتوجَّه عليه العامل وقد تقدم البحثُ في مثل هذا كثيراً.
فصل في القول المعروف ما هو؟
قال بعضُ المفسرين : هو التعريض بالخطبة.
وقال آخرون : لمّا أُذِن في أوّل الآيةِ بالتعريض، ثم نهي عن المسارَّة معها؛ دفعاً للريبةِ، استثني منه المسارَّة بالقولِ بالمعروفِ، وهو أَنْ يعدها في السرِّ بالإحسان إليها، والاهتمام بشأنها، والتكفُّل بمصالحها؛ حتى يصير ذِكرُ هذه الأَشياء الجميلة، مُؤكَّداً لذلك التعريض.
قوله :﴿ وَلاَ تعزموا ﴾ في لفظ » العَزْمِ « وجوه :
الأول : أنّه عبارةٌ عن عقدِ القلب على فعلٍ من الأَفعالِ، قال تعالى :﴿ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى الله ﴾ [ آل عمران : ١٥٩ ] فلا بُدَّ في الآيةِ من إضمار فعلٍ، وهذا اللفظ إنما يُعَدَّى للفعل بحرفِ » عَلَى « فيقال : فلان عزم على كذا، فيكونُ تقدير الآيةِ :» ولا تَعْزمُوا على عُقدة النكاح حتى يبلُغَ الكِتَابث أَجَلَهُ « والمقصودُ منه المبالغة في النهي عن النكاح في زمان العِدَّة، فإنّ العزم متقدمٌ على المعزوم عليه، فإذا ورد النهي عن الإِقدام على المعزوم عليه كان أولى.
الثاني : أنَّ العزم عبارةٌ عن الإِيجاب، يقال : عزمتُ عليكم، أي : أَوجبتُ، ويقال هذا من باب العزائم، لا من باب الرُّخَصِ؛ وقال - ﷺ - » عَزْمَةٌ مِنْ عَزَائِمِ رَبِّنَا « وقال :» إِنَّ اللهَ تَعالى يُحِبُّ أَنْ تُؤْتَى رُخْصُهُ كَمَا تُؤْتَى عَزَائِمُهُ «