الوجه الثاني : أنَّ تطليق النساء قبل المسيس، وبعد تقدير المهر، وهو المذكور في الآية التي بعدها، هو تقدير المهر، وقد أوجب فيه نصف المهر وهذا كالمقابل له، فوجب أن يكون الجناح المنفي عنه هناك، هو المثبت ها هنا، فلما كان المثبت في الآية التي بعدها، هو لزوم المهر، وجب أن يقال : الجناح المنفي في هذه الآية هو لزوم المهر.
قوله :﴿ لَى الموسع قَدَرُهُ ﴾ جملةٌ من مبتدأ وخبر، وفيها قولان :
أحدهما : أنها لا محلَّ لها من الإعراب، بل هي استئنافيةٌ بيَّنت حال المطلِّق بالنسبة إلى إيساره وإقتاره.
والثاني : أنها في موضع نصب على الحال، وذو الحال فاعل « مَتِّعُوهُنَّ ».
قال أبو البقاء :« تقديره : بقَدر الوُسْعِ »، وهذا تفسير معنًى، وعلى جعلها حاليةً : فلا بدَّ من رابطٍ بينها وبين صاحبها، وهو محذوفٌ، تقديره : على المُوسِع مِنْكُمْ، ويجوز على مذهب الكوفيين ومن تابعهم : أن تكون الألف واللام قامت مقام الضمير المضاف إليه، تقديره :« عَلَى مُوسِعِكُمْ قَدَرُهُ ».
وقرأ الجمهور :« المُوسِعِ » بسكون الواو وكسر السين، اسم فاعل من أوسَعَ يُوسِعُ، وقرأ أبو حيوة بفتح الواو وتشديد السين، اسم مفعولٍ من « وَسَّعَ ». وقرأ حمزة والكسائيُّ وابن ذكوان وحفصً :« قَدَرهُ » بفتح الدال في الموضعين، والباقون بسكونها.
واختلفوا : هل هما بمعنًى واحدٍ، أو مختلفان؟ فذهب أبو زيد والأخفش، وأكثر أئمة العربية إلى أنهما بمعنًى واحدٍ، حكى أبو زيدٍ :« خُذْ قَدَرَ [ كَذَا ] وقَدْرَ كَذَا »، بمعنًى واحدٍ، قال :« ويُقْرَأُ في كتاب الله :﴿ فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا ﴾ [ الرعد : ١٧ ]، و » قَدْرِهَا «، وقال :﴿ وَمَا قَدَرُواْ الله حَقَّ قَدْرِهِ ﴾ [ الأنعام : ٩١ ] ولو حركت الدال، لكان جائزاً. وذهب جماعةٌ إلى أنهما مختلفان، فالساكن مصدرٌ والمتحرك اسمٌ؛ كالعدِّ والعدد، والمدِّ والمدد، وكأنَّ القدر بالتسكين الوسع، يقال :» هُوَ يُنْفِقُ عَلَى قَدْرِهِ « أي وسعه، وقيل : بالتَّسكين الطاقة، وبالتحريك المقدار، قال أبو جعفر :» وَأَكثرُ ما يُسْتَعْمَل بالتحْرِيكِ، إذا كان مساوياً للشيء، يقال : هَذَا عَلَى قَدَرِ هَذَا «.
وقرأ بعضهم بفتح الراء، وفي نصبه وجهان :
أحدهما : أن يكون منصوباً على المعنى.
قال أبو البقاء : وهو مفعولٌ على المعنى؛ لأنَّ معنى » مَتِّعُوهُنَّ « [ لِيُؤَدِّ كُلٍّ مِنْكُمْ قَدَرَ وُسْعِهِ » وشرح ما قاله : أن يكون من باب التضمين، ضمَّن « مَتِّعُوهُنَّ » ] معنى « أَدُّوا ».
والثاني : أن يكون منصوباً بإضمار فعلٍ، تقديره : فأوجبوا على الموسع قدره، وجعله أبو البقاء أجود من الأول، وفي السَّجاونديِّ :« وقال ابن أبي عبلة : قَدَرَهُ، أي : قَدَرَهُ اللهُ » انتهى.