وقيل : المعنى : فإن خفتم فوات الوقت، إذا أَخَّرْتُمُ الصلاة إلى أن تفرغوا من حربكم، فصلُّوا رِجالاً، أو ركْبَاناً، وعلى هذا التقدير الآية تدلُّ على تأكيد فرض الوقت؛ حتى يترخَّص لأجل المحافظة عليه في ترك القيام، والركوع، والسجود.
قوله تعالى :﴿ فَرِجَالاً ﴾ : منصوبٌ على الحال، والعامل فيه محذوفٌ، تقديره :« فَصَلُّوا رِجَالاً، أو فحَافِظُوا عَلَيْهَا رِجَالاً » وهذا أولى؛ لأنه من لفظ الأول.
و « رِجَال » جمع راجلٍ؛ مثل قيامٍ وقائم، وتجارٍ وتاجرٍ، وصِحَابٍ وصاحب، يقال منه : رَجِلَ يَرْجَلُ رَجْلاً، فهو رَاجِلٌ، ورَجُل بوزن عضدٍ، وهي لغة الحجاز. يقولون : رَجِلَ فُلاَنٌ، فهو رَجُلٌ، ويقال : رَجْلاَن ورَجِيلٌ؛ قال الشاعر :[ الطويل ]

١١٤٨- عَلَيَّ إِذَا لاَقَيْتُ لَيْلَى بِخُفْيَةٍ أَنَ ازْدَارَ بَيْتَ اللهِ رَجْلاَنَ حَافِيَا
كلُّ هذا بمعنى مشى على قدميه؛ لعدم المركوب.
وقيل : الراجل الكائن على رجله، ماشياً كان أو واقفاً، ولهذا اللفظ جموعٌ كثيرة : رجالٌ؛ كما تقدَّم؛ وقال تعالى :﴿ يَأْتُوكَ رِجَالاً وعلى كُلِّ ضَامِرٍ ﴾ [ الحج : ٢٧ ] وقال [ الكامل ]
١١٤٩- وَبَنُو غُدَانَةَ شَاخِصٌ أَبْصَارُهُمْ يَمْشُونَ تَحْتَ بُطُونِهِنَّ رِجَالاً
ورَجِيلٌ، ورُجَالَى، وتروى قراءةً عن عكرمة، ورَجَالَى، ورَجَّالَة، ورُجَّال، وبها قرأ عكرمة وابن مخلدٍ، ورُجَّالَى، ورُجْلاَن، ورِجْلَة، ورَجْلَة بسكون الجيم وفتحها، وأرجِلَة، وأرَاجِلٍ، وأرَاجِيل، ورجَّلاً بضم الراء وتشديد الجيم من غير ألفٍ، وبها قرئ شاذّاً.
وقال القفَّال : يجوز أن يكون « رِجَالٌ » جمع الجمع؛ لأن رجلاً يجمع على « رَاجِلٍ »، ثمَّ يجمع راجلٌ على رِجالٍ.
والرُّكبان جمع راكب مثل فُرْسَان وفَارس، قال القفَّال : قيل : ولا يقال إلاَّ لمن ركب جملاً، فأمَّا راكب الفرس، ففارسٌ، وراكب [ الحمار ] والبغل حمَّار وبغَّال، والأجود صاحب حمار وبغلٍ، و « أو » هنا للتقسيم، وقيل : للإباحة، وقيل : للتخيير.

فصل


قال القرطبيُّ : لمّا أمر الله تعالى بالقيام له في الصلاة، بحال القنوت، وهو الوقار، والسكينة، وهدوء الجوارح، وهذه هي الحالة الغالبة من الأمن، والطُّمأنينة، ذكر حالة الخوف الطارئة أحياناً، وبيَّن أن هذه العبادة لا تسقط عن العبد في حالٍ، ورخَّص لعبيده في الصلاة رجالاً على الأقدام، أو ركباناً على الخيل والإبل، ونحوه إيماءً، وإشارةً بالرأس حيث ما توجهوا.

فصل في صلاة الخوف


صلاة الخوف قسمان :
أحدهما : حال القتال مع العدو، وهي أقسام :
أحدها : حال التحام الحرب، وهو المذكور في هذه الآية، وباقيها مذكورٌ في سورة النِّساء [ ١٠٢ ] والقتال إمَّا واجبٌ، أو مباحٌ، أو محظورٌ.
فالواجب : كالقتال مع الكفار، وهو الأصل في صلاة الخوف، وفيه نزلت الآية، ويلحق به قتال أهل البغي، بقوله تعالى :﴿ فَقَاتِلُواْ التي تَبْغِي حتى تفياء إلى أَمْرِ الله ﴾ [ الحجرات : ٩ ].
والمباح : كدفع الصائل بخلاف ما إذا قصد الكافر نفسه؛ فإنه يجب الدفع، وفي الدفع عن كل حيوانٍ محترم، فإنَّه يجوز فيه صلاة الخوف.


الصفحة التالية
Icon