قرأ ابن كثير، ونافع، والكسائي، وأبو بكرٍ، عن عاصم :« وَصِيَّةٌ » بالرفع والباقون : بالنصب. وفي رفع ﴿ الذين يُتَوَفَّوْنَ ﴾ ثمانية أوجهٍ، خمسةٌ منها على قراءة من رفع « وَصِيَّةً »، وثلاثةٌ على قراءة من نصب « وصيةٌ » ؛ فأوّل الخمسة، أنه مبتدأ، و « وَصِيَّةٌ » مبتدأ ثانٍ، وسوَّغ الابتداء بها كونها موصوفة تقديراً؛ إذ التقدير :« وَصِيَّةٌ مِنَ اللهِ » أو « مِنْهُمْ » ؛ على حسب الخلاف فيها : أهي واجبةٌ من الله تعالى، أو مندوبةٌ للأزواج؟ و « لأَزْوَاجِهِمْ » خبر المبتدأ الثاني، فيتعلَّق بمحذوفٍ، والمبتدأ الثاني وخبره خبر الأول، وفي هذه الجملة ضمير الأول، وهذه نظير قولهم :« السَّمْنُ مَنَوَانِ بِدِرْهَمٍ » تقديره :« مَنَوَانِ مِنْهُ »، وجعل ابن عطية المسوِّغ للابتداء بها كونها في موضع تخصيص؛ قال :« كما حَسُنَ أَنْ يرتفع :» سَلاَمٌ عَلَيْكَ « و » خَيْرٌ بَيْنَ يَدَيْكَ « ؛ لأنها موضع دعاءٍ » قال شهاب الدين : وفيه نظرٌ.
الثاني : أن تكون « وَصِيَّةٌ » مبتدأ، و « لأَزْوَاجِهِمْ » صفتها، والخبر محذوفٌ، تقديره : فعليهم وصيةٌ لأزواجهم، والجملة خبر الأوَّل.
الثالث : أنها مرفوعة بفعل محذوفٍ، تقديره : كتب عليهم وصيَّةٌ و « لأَزْوَاجِهِمْ » صفةٌ، والجملة خبر الأول أيضاً؛ ويؤيِّد هذا قراءة عبدالله :« كُتِبَ عَلَيْهِمْ وَصِيَّةٌ » وهذا من تفسير المعنى، لا الإعراب؛ إذ ليس هذا من المواضع التي يضمر فيها الفعل.
الرابع : أن « الَّذِينَ » مبتدأٌ، على حذف مضافٍ من الأول، تقديره : ووصيَّةُ الذين.
الخامس : أنه كذلك إلا أنه على حذف مضافٍ من الثاني، تقديره :« وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ أَهْلُ وَصيَّةٍ » ذكر هذين الوجهين الزمخشريُّ، قال أبو حيان :« ولا ضرورة تدعونا إلى ذلك ».
فهذه الخمسة الأولى التي على رفع « وَصِيَّةٌ ». وأمَّا الثلاثة التي على قراءة النصب في « وَصِيَّةٌ » :
فأحدها : أنه فاعل فعل محذوفٍ، تقديره : وليوص الذين، ويكون نصب « وَصِيَّةٌ » على المصدر.
الثاني : أنه مرفوع بفعل مبني للمفعول يتعدَّى لاثنين، تقديره :« وأُلْزِمَ الَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ » ويكون نصب « وَصِيَّةً » على أنها مفعولٌ ثانٍ ل « أُلْزِمَ »، ذكره الزمخشريُّ، وهو والذي قبله ضعيفان؛ لأنه ليس من مواضع إضمار الفعل.
الثالث : أنه مبتدأٌ، وخبره محذوف، وهو الناصب لوصية، تقديره : والذين يتوفون يوصون وصيَّة، وقدره ابن عطية :« لِيُوصُوا » و « وَصِيَّةً » منصوبةٌ على المصدر أيضاً، وفي حرف عبدالله :« الوَصِيَّةُ » رفعاً بالابتداء، والخبر الجارُّ بعدها، أو مضمرٌ أي : فعليهم الوصية، والجارُّ بعدها حالٌ، أو خبرٌ ثانٍ، أو بيانٌ.