والنصبُ من وجهين :
أحدهما : أنَّهُ منصوبٌ بإضمارٍ « أَنْ » عطفاً على المصدر المفهوم من « يقرضُ » في المعنى، فيكونُ مصدراً معطوفاً على مصدرٍ تقديرُهُ : مَنْ ذا الذي يكونُ منه إقراضٌ فمضاعفةٌ مِنَ اللهِ تعالى كقوله :[ الوافر ]
١١٥٣- لَلُبْسُ عَبَاءَةٍ وَتَقَرَّ عَيْنِي | أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ لُبْسِ الشُّفُوفِ |
قال أبو البقاء :« ولا يجوز أن يكونَ جوابَ الاستفهام على اللفظ؛ لأنَّ المُسْتَفْهَمَ عنه في اللَّفْظِ المُقرِضُ أي الفاعلُ للقَرْضِ، لا عن القَرْضِ، أي : الذي هو الفِعْلُ » وقد مَنَع بعضُ النَّحويّين النَّصبَ بعد الفاء في جواب الاستفهام الواقع عن المسندِ إليه الحكمُ لا عن الحُكم، وهو مَحْجوجٌ بهذه الآيةِ وغيرها، كقوله :« مَنْ يَسْتَغْفِرُنِي؛ فأغفرَ له، مَنْ يَدْعُونِي؛ فأَسْتَجِيبَ له » بالنصبِ فيهما.
قال أبو البقاء : فإنْ قيلَ : لِمَ لاَ يُعْطَفُ [ الفعل على ] المصدرِ الذي هو « قرضاً » كما يُعْطَفُ الفعلُ على المصدرِ بإضمار « أَنْ » كقولِ الشاعر [ الوافر ]
١١٥٤- لَلُبْسُ عَبَاءَةٍ وتَقَرَّ عَيْنِي | ............................ |
أحدهما : أنَّ « قرضاً » هنا مصدرٌ مؤكِّدٌ، والمصدرُ المُؤكِّدِ لا يُقَدَّرُ ب « أَنْ » والفعلِ.
والثاني : أنَّ عطفَهُ عليه يُوجبُ أن يكونَ معمولاً ليقرضُ، ولا يصِحُّ هذا في المعنى؛ لأَنَّ المضاعفةَ ليستُ مُقْرِضَةً، وإِنَّما هي فعلُ اللهِ تعالى، وتعليله في الوجهِ الأولِ يُؤذِنُ بأنه يُشترط في النصبِ أنْ يُعْطَفَ على مصدرس يتقدَّر ب « أَنْ » والفعلِ، وهذا ليس بشرطٍ؛ بل يجوزُ ذلك وإن كان الاسمُ المعطوفُ عليه غيرَ مصدرٍ؛ كقوله :[ الطويل ]
١١٥٥- وَلَوْلاَ رِجَالٌ مِنْ رِزَامٍ أَعِزَّةٍ | وآلُ سُبَيْعٍ أَوْ أَسُوءَكَ عَلْقَمَا |
وقد تقدَّم أَنَّه قرئ « يُضاعِفُ »، و « يُضَعِّفُ » فقيل : هما بمعنى، وتكونُ المفاعلَةُ بمعنى فَعَل المجرد، نحو عاقَبْت، وقيل : بل هما مختلفان، فقيل : إنَّ المضعَّفَ للتكثير.
وقيل : إنَّ « يُضَعِّف » لِما جُعِلَ مثلين، و « ضاعَفَه » لِما زيد عليه أكثرُ من ذلك.
والقَرْضُ : القَطْعُ، ومنه :« المِقْرَاضُ » لِمَا يُقْطَع به وانقطع القوم هلكوا وانقطع أثرهم وقيل للقَرْض « قرض » ؛ لأنه قَطْعُ شيءٍ من المالِ، وهذا أصلُ الاشتقاقِ، ثم اختلف أهل العِلْمِ في « القَرْض » فقيل : هو اسمٌ لكلِّ ما يُلْتَمَسُ الجزاءُ حَسَناً كان أو سيئاً «، تقول العرب : لك عندي قرضٌ حسنٌ وسيّئ، والمرادُ منه الفعل الذي يجازى عليه.