قوله :﴿ وَنَحْنُ أَحَقُّ ﴾ : جملةٌ حاليَّةٌ، و « بالمُلْكُ » و « مِنْهُ » كلاهما متعلّقٌ ب « أَحَقُّ ». « ولم يُؤْتَ سَعَةً » هذه الجملة الفعلية عطفٌ على الاسميَّة قبلها، فهي في محلِّ نصب على الحال، ودخلت الواو على المضارع؛ لكونه منفياً و « سعةً » مفعول ثانٍ ليؤت، والأول قام مقام الفاعل.
و « سَعَةً » وزنها « عَلَة » بحذف الفاء، وأصلها « وُسْعَة »، وإنما حذفت الفاء في المصدر حملاً له على المضارع، وإنما حذفت في المضارع لوقوعها بين ياء - وهي حرف المضارعة - وكسرة مقدَّرة، وذلك أنَّ « وَسِع » مثل « وَثِق » فحقٌّ مضارع أن يجيء على يفعل بكسر العين، وإنما منع ذلك في « يَسَع » كون لامه حرف حلقٍ، ففتح عين مضارعه لذلك، وإن كان أصلها الكسر، فمن ثم قلنا : بين ياء وكسرة [ مقدرةٍ، والدَّليل على ذلك أنَّهم قالوا : وَجِلَ يَوْجَل فلم يحذفوها لمَّا كانت الفتحة أصلية غير عارضةً، بخلاف فتحة « يَسَع » و « يَهَب » وبابهما.
فإن قيل : قد رأيناهم يحذفون هذه الواو، وإن لم تقع بين ياءٍ وكسرةٍ ]، وذلك إذا كان حرف المضارعة همزة نحو :« أَعِدُ »، أو تاءً نحو :« تَعِد » أو نوناً نحو :« نَعِد »، وكذلك في الأمر والمصدر نحو :: عِدْ عِدَةَ حَسَنَةً «.
فالجواب أنَّ ذلك بالحمل على المضارع مع الياء طراً للباب، كما تقدَّم لنا في حذف همزة أفعل، إذا صار مضارعاً لأجل همزة المتكلِّم، ثم حمل باقي الباب عليه. وفتحت سين » السَّعة « لمَّا فتحت في المضارع لأجل حرف الحلق، كما كسرت عين » عِدة « لمَّا كسرت في » يَعِد « إلا أنَّه يشكل على هذا : وَهَبَ يَهَبُ هِبة، فإنهم كسروا الهاء في المصدر، وإن كانت مفتوحة في المضارع لأجل أنَّ العين حرف حلقٍ، فلا فرق بين » يَهَبُ «، و » يَسَع « في كون الفتحة عارضةً والكسرة مقدرةً، ومع ذلك فالهاء مكسورةٌ في » هِبة «، وكان من حقِّها الفتح لفتحها في المضارع ك » سَعَة «.
و » من المال « فيه وجهان :
أحدهما : أنه متعلقٌ بيؤت.
والثاني : أنه متعلقٌ بمحذوفٍ لأنه صفةٌ لسعة، أي : سَعَةً كائنةً من المال.
فصل
اعلم أنَّه تعالى لما بيَّن في الآية أنَّه لمَّا أجابهم إلى سؤالهم تولَّوا، بيَّن في هذه الآية أنَّ أوّل تولِّيهم إنكارهم إِمْرَة طالوت، وذلك أنَّهم لمَّا طلبوا من نبيِّهم أن يطلب من الله أن يعيِّن لهم ملكاً؛ فأجابهم بأنَّ الله قد بعث لكم طالوت ملكاً، أظهروا التَّولي عن طاعة الله، وأعرضوا عن حكمه، وقالوا :» أَنَّى يَكُونُ لَهُ المُلْكُ عَلَيْنَا «، واستبعدوا ذلك.